فهذا الرفع، كما رأيت كثير، ونصوص الأمة على جوازه في الكلام، وإن اختلفت تأويلاتهم كما سنذكره. وقال صاحبنا أبو جعفر أحمد بن رشيد المالقي، وهو مصنف (صف المباني) رحمه الله: لا أعلم منه شيئاً جاء في الكلام، وإذا جاء فقياسه الجزم لأنه أصل العمل في المضارع، تقدّم الماضي أو تأخر، وتأوّل هذا المسموع على إضمار الفاء، وجعله مثل قول الشاعر:
إنك إن يصرغ أخوك تصرغ.
على مذهب من جعل الفائ منه محذوفة.
وأما المقدّمون فاختلفوا في تخريج الرفع، فذهب سيبويه إلى أن ذلك على سبيل التقديم. وأما جواب الشرط فهو محذوف عنده.
وذهب الكوفيون، وأبو العباس إلى أنه هو الجواب حذفت منه الفاء، وذهب غيرهما إلى أنه لما لم تظهر لأداة الشرط تأثير في فعل الشرط، لكونه ماضياً، ضعف عن العمل في فعل الجواب، وهو عنده جواب لا على إضمار الفاء، ولا على نية التقديم، وهذا والمذهب الذي قبله ضعيفان.
وتلخص من هذا الذي قلناه: أن رفع المضارع لا يمنع أن يكون ما قبله شرطاً، لكن امتنع أن يكون: وما عملت، شرطاً لعلة أخرى، لا لكون: تود، مرفوعاً، وذلك على ما نقرره على مذه سيبويه من أن النية بالمرفوع التقديم، ويكون إذ ذاك دليلاً على الجواب لا نفس الجواب، فنقول: إذا كان: تود، منوياً به كالتقديم أدّى إلى تقدّم المضمر على ظاهره في غير الأبواب المستثناه في العربية. ألا ترى أن الضمير في قوله: وبينه، عائد على اسم الشرط الذي هو: ما، فيصير التقدير: تود كل نفس لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً ما عملت من سوء؟ فيلزم من هذا التقدير تقدّم المضمر على الظاهر، وذلك لا يجوز.
فإن قلت: لم لا يجوز ذلك والضمير قد تأخر عن اسم الشرط؟ فإن كان نيته التقديم فقد حصل عود الضمير على الاسم الظاهر قبله، وذلك نظير: ضرب زيداً غلامه، فالفاعل رتبته التقديم ووجب تأخيره لصحة عود الضمير.