يقول: لا غائب مالي ولا حرم وكتبت جواب ما سألني عنه في كتابي الكبير المسمى: (بالتذكرة) ، ونذكر هنا ما تمس إليه الحاجة من ذلك، بعد أن نقدّم ما ينبغي تقديمه في هذه المسألة، فنقول: إذا كان فعل الشرط ماضياً، وما بعده مضارع تتم به جملة الشرط والجزاء، جاز في ذلك المضارع الجزم، وجاز فيه الرفع، مثال ذلك: إن قام زيد يقوم عمرو، وان قام زيد يقم عمرو. فاما الجزم فعلى أنه جواب الشرط، ولا تعلم في جواز ذلك خلافاً، وأنه فصيح، إلاَّ ما ذكره صاحب كتاب (الإعراب) عن بعض النحويين أنه: لا يجيء في الكلام الفصيح، وإنما يجيء مع: كان، لقوله تعالى {من كان يريد الحياة الدنا وزينتها نوفّ إليهم أعمالهم فيها} لأنها أصل الأفعال، ولا يجوز ذلك مع غيرها.

وظاهر كلام سيبويه، ونص الجماعة، أنه لا يختص ذلك بكان، بل سائر الأفعال في ذلك مثل كان، وأنشد سيبويه للفرزدق:

دسَّت رسولاً بأن القوم إن قدروا

عليك يشفوا صدوراً ذات توغير

وقال أيضاً:

تعال فإن عاهدتني لا تخونني

نكن مثل من يا ذئب يصطحبان

وأما الرفع فإنه مسموع من لسان العرب كثير. وقال بعض أصحابنا: وهو أحسن من الجزم، ومنه بين زهير السابق إنشاده، وهو قوله أيضاً:

وإن سل ريعان الجميع مخافة

يقول جهاراً: ويلكم لا تنفروا وقال أبو صخر:

ولا بالذي إن بان عنه حبيبه

يقول ويخفي الصبر: إني الجازع

وقال الآخر:

وإن بعدوا لا يأمنون اقترابه

تشوّف أهل الغائب بالمتنظِّر

وقال الآخر:

وإن كان لا يرضيك حتى تردّني

إلى قطري لا إخاك راضياً

وقال الآخر:

إن يسألوا الخير يعطوه، وإن خبروا

في الجهد أدرك منهم طيب إخبار

طور بواسطة نورين ميديا © 2015