وهذا الذي حكاه عن سيبويه والخليل لا نعلمه، وإنما الذي وقع فيه الخلاف هو أفعل التفضيل، فالبصريون يمنعون: زيد أحسن أخوته، والكوفيون يجيزونه، وأما أن ذلك في: فوق، فلا نعلمه، لكنه لما توهم أنها مرادفة لأعلى، وأعلى أفعل تفضيل، نقل الخلاف إليها، والذي نقوله: إن فوق لا تقتضي التشريك في التفضيل، وإنما تدل على مطلق العلوّ، فإذا أضيفت فلا يلزم أن يكون ما أضيفت إليه فيه علوّ، وكما أن تحت مقابلتها لا تدل على تشريك في السفلية، وإنما هي تدل على مطلقها، ولا نقول: إنها مرادفة لأسفل، لأن أسفل أفعل تفضيل يدلك على ذلك استعمالها بمن، كقوله: الركب أسفل منكم، كما أن أعلى كذلك.
{وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} ومفعول يشاء محذوف، التقدير: من يشاء أن يرزقه، دل عليه ما قبله، وبغير حساب تقدمه ثلاثة أشياء يصلح تعلقه بها: الفعل، والفاعل، والمفعول الأول وهو: من، فإن كان للفعل فهو من صفات المصدر، وإن كان للفاعل فهو من صفاته، أو للمفعول فهو من صفاته، فإذا كان للفعل كان المعنى: يرزق من يشاء رزقاً غير حساب، أي: غير ذي حساب، ويعني بالحساب: العد، فهو لا يحصي ولا يحصر من كثرته، أو يعني به المحاسبة في الآخرة، أي: رزقاً لا يقع عليه حساب في الآخرة، وتكون على هذا الباء زائدة.
وإذا كان للفاعل كان في موضع الحال: المعنى يرزق الله غير محاسب عليه، أي متفضلاً في إعطائه لا يحاسب عليه، أو غير عادٍ عليه ما يعطيه، ويكون ذلك مجازاً عن التقتير والتضييق، فيكون: حساب مصدراً عبر به عن اسم الفاعل من: حاسب، أو عن اسم الفاعل من: حسب، وتكون الباء زائدة في الحال، وقد قيل: إن الباء زيدت في الحال المنفية، وهذه الحال لم يتقدمها نفي، ومما قيل: إنها زيدت في الحال المنفية قول الشاعر:
فما رجعت بخائبة ركاب