وأطلقت: كم، على القوم أو الجماعة، فكان التقدير: كم من جماعة آتيناهم، فيجوز ذلك، إذ في الجملة المفسرة لذلك الفعل المحذوف ضمير عائد على: كم، وأجاز ابن عطية وغيره أن تكون: كم، في موضع رفع بالابتداء، والجملة من قوله: آتيناهم، في موضع الخبر، والعائد محذوف، التقدير: آتيناهموه، أو آتيناهموها، وهذا لا يجوز عند البصريين إلاَّ في الشعر، أو في شاذ من القرآن، كقراءة من قرأ {أفحكم الجاهلية يبغون} (المائدة: 50) برفع الحكم، وقال ابن مالك: لو كان المبتدأ غير: كل، والضمير مفعول به، لم يجز عند الكوفيين حذفه مع بقاء الرفع إلاَّ في الاضطرار، والبصريون يجيزون ذلك في الاختيار، ويرونه ضعيفاً انتهى. فإذا كان لا يجوز إلاَّ في الاضطرار، أو ضعيفاً، فأي داعية إلى جواز ذلك في القرآن مع إمكان حمله على غير ذلك؟ ورجحانه. وهو أن تكون في موضع نصب على ما قررناه. وكم، هنا استفهامية ومعناها التقرير لا حقيقة الاستفهام، وقد يخرج الاستفهام عن حقيقته إذا تقدّمه ما يخرجه، نحو قولك: سواء عليك أقام زيد أم قعد، و: ما أبالي أقام زيد أم قعد، وقد عملت أزيد منطلق أو عمرو وما أدري أقريب أم بعيد، فكل هذا صورته صورة الاستفهام، وهو على التركيب الاستفهامي وأحكامه، وليس على حقيقة الاستفهام.

وهذه الجملة من قوله: {كم آتيناهم} في موضع المفعول الثاني: لسل، لأن سأل يتعدى لإثنين؛ أحدهما: بنفسه، والآخر: بحرف جر، إما عن، وإما الباء. وقد جمع بينهما في الضرورة نحو:

فأصبحن لا يسألنه عن بما به

و: سأل، هنا معلقة عن الجملة الاستفهامية، فهي عاملة في المعنى، غير عاملة في اللفظ، لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله إلاَّ الجار، قالوا: وإنما علقت: سل، وإن لم تكن من أفعال القلوب، لأن السؤال سبب للعلم، فأجرى السبب مجرى المسبب في ذلك، وقال تعالى: {سلهم أيهم بذلك زعيم} (القلم: 40) وقال الشاعر:

سائل بني أسد ما هذه الصوت

وقال:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015