وقال الزمخشري: وقرأ أبو عمرو، وابن كثير الأولين بالرفع والآخر بالنصب لأنهما حملا الأولين على معنى النهي، كأنه قيل: فلا يكونن رفث ولا فسوق، والثالث على معنى الإخبار بانتفاء الجدال، كأنه قيل: ولا شك ولا خلاف في الحج.
والتفرقة في قراءة ابن كثير، وابن عمر، وبأن الأوّلين في معنى النهي، والثالث خبر، وهذه الجملة في موضع جواب الشرط إن كانت: مَنْ، شرطية، وفي موضع الخبر، إن كانت: مَنْ، موصولة. وعلى كلا التقديرين لا بد فيها من رابط يربط جملة الجزاء بالشرط، إذا كان الشرط بالإسم، والجملة الخبرية بالمبتدأ الموصول إذا لم يكن إياه في المعنى، ولا رابط هنا ملفوظ به، فوجب أن يكون مقدراً. ويحتمل وجهين.
أحدهما: أن يقدر: منه، بعد: ولا جدال، ويكون: منه، في موضع الصفة، ويحصل به الربط كما حصل في قولهم: السمن منوان بدرهم أي: منوان منه، ومنه صفة للمنوين.
والثاني: أن يقدر بعد الحج، وتقديره: في الحج منه أوله، أو ما أشبهه مما يحصل به الربط.
وللكوفيين تخريج في مثل هذا، وهو أن تكون الألف واللام عوضاً من الضمير، فعلى مذهبهم يكون التقدير في قوله: في الحج، في حجه، فنابت الألف واللام عن الضمير، وحصل بها الربط.
قال بعضهم: وكرر في الحج، فقال: في الحج، ولم يقل: فيه، جرياً على عادة العرب في التأكيد في إقامة المظهر مقام المضمر، كقول الشاعر:
لا أرى الموت يسبق الموت شيء
انتهى كلامه، وهو في الآية أحسن لبعده من الأول، ولمجيئه في جملة غير الجملة الأولى، ولإزالة توهم أن يكون الضمير عائداً على: من، لا على: الحج، أي: في فارض الحج.
{وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} هذه جملة شرطية، وتقدّم الكلام على إعراب نظيرها في قوله: {ما ننسخ من آية} (البقرة: 106) .
وجواب الشرط وهو: يعلمه الله، والضمير في: يعلمه، عائد على: ما، من قوله: وما تفعلوا، و: من، في موضع نصب، ويتعلق بمحذوف.