{فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} و: الفاء، في: فلا رفث، هي الداخلة في جواب الشرط، إن قدر: من، شرطاً، وهو الأظهر، أو في الخبر إن قدر: من، موصولاً.
وقرأ ابن مسعود والأعمش: رفوث، وقد تقدّم أن الرفث والرفوث مصدران. وقرأ أبو جعفر بالرفع والتنوين في الثلاثة، ورويت عن عاصم في بعض الطرق، وهو طريق المفضل عن عاصم، وقرأ أبو رجاء العطاردي بالنصب والتنوين في الثلاثة. وقرأ الكوفيون، ونافع بفتح الثلاثة من غير تنوين؛ وقرأ ابن كثير، وأبو عمر برفع: فلا رفث ولا فسوق، والتنوين، وفتح: ولا جدال، من غير تنوين.
فأمّا من رفع الثلاثة فإنه جعل: لا، غير عاملة ورفع ما بعدها بالابتداء، والخبر عن الجميع هو قوله: في الحج، ويجوز أن يكون خبراً عن المبتدأ الأول، وحذف خبر الثاني. والثالث للدلالة، ويجوز أن يكون خبراً عن الثالث وحذف خبر الأول والثاني للدلالة، ولا يجوز أن يكون خبراً عن الثاني ويكون قد حذف خبر الأول والثالث لقبح هذا التركيب والفصل.
قيل: ويجوز أن تكون: لا، عاملة عمل ليس فيكون: في الحج، في موضع نصب، وهذا الوجه جزم به ابن عطية، فقال: و: لا، في معنى ليس في قراءة الرفع، وهذا الذي جوّزه وجزم به ابن عطية ضعيف، لأن إعمال: لا، إعمال: ليس، قليل جداً، لم يجىء منه في لسان العرب إلاَّ ما لا بال له، والذي يحفظ من ذلك قوله:
تعزّ فلا شيء على الأرض باقياً
ولا وزرٌ مما قضى الله واقياً
أنشده ابن مالك، ولا أعرف هذا البيت إلاَّ من جهته، وقال النابغة الجعدي:
وحلت سواد القلب لا أنا باغياً
سواها ولا في حبها متراخياً
وقال آخر:
أنكرتها بعد أعوام مضين لها
لا الدار دار ولا الجيرانُ جيرانا
وخرج على ذلك سيبويه قول الشاعر:
من صدّ عن نيرانها