(فإن قلت) : إذا جعلت أن مفسرة لفعل التلاوة وهو معلق بما {حرم ربكم} وجب أن يكون ما بعده منهياً عنه محرماً كله كالشرك وما بعده مما دخل عليه حرف النهي فما يصنع بالأوامر؟ (قلت) : لما وردت هذه الأوامر مع النواهي وتقدّمهن جميعاً فعل التحريم واشتركن في الدخول تحت حكمه، علم أن التحريم راجع إلى أضدادها وهي الإشارة إلى الوالدين وبخس الكيل والميزان وترك العدل في القول وكث عهد الله؛ انتهى. وكون هذه الأشياء اشتركت في الدخول تحت حكم التحريم وكون التحريم راجعاً إلى أضداد الأوامر بعيد جداً وألغاز في المعاني ولا ضرورة تدعو إلى ذلك، وأما عطف هذه الأامر فيحتمل وجهين: أحدهما: أنها معطوفة على المناهي قبلها فيلزم انسحاب التحريم عليها حيث كانت في حيز أن التفسيرية بل هي معطوفة على قوله: {تعالوا أتل ما حرم} أمرهم أولاً بأمر يترتب عليه ذكر مناه ثم أمرهم ثانياً بأوامر وهذا معنى واضح، والثاني: أن تكون الأوامر معطوفة على المناهي وداخلة تحت أن التفسيرية ويصح ذلك على تقدير محذوف تكون أن مفسرة له وللمنطوق قبله الذي دل عليه حذفه والتقدير وما أمركم به فحذف وما أمركم به لدلالة ما حرّم عليه، لأن معنى {ما حرم ربكم عليكم} ما نهاكم ربكم عنه فالمعنى {قل تعالوا أتل} ما نهاكم ربكم عنه، وإذا كان التقدير هكذا صح أن تكون أن تفسيرية لفعل النهي الدال عليه التحريم وفعل الأمر المحذوف ألا ترى أنه يجوز أن تقول: أمرتك أن لا تكرم جاهلاً وأكرم عالماً إذ يجوز عطف الأمر على النهي والنهي على الأمر كما قال امرؤ القيس:
يقولون لا تهلك أسى وتجمل