للفطرة السليمة نقاؤها، وللنفوس البريئة صفاؤها وطهرها! وليس هذا العمل بدعا، ولا من الممنوع شرعا، كما قال الإمام «محمد عبده» فى مقدمة «مقامات بديع الزمان الهمذانى» ، فقد جرت سنة العلماء بالتهذيب والتمحيص، والتنقيح، والتلخيص، وليس من منكر عليهم فى شىء من ذلك! ولا شك أن لكل زمان مقال، ولكل خيال مجال! وأبناؤنا الناشئون فى حاجة إلى تلك النماذج العليا التى تنفعهم وتدفعهم إلى الكمال، وتصفى نفوسهم، وترقق مشاعرهم، وتسمو بأرواحهم! 1 ومهما يكن من شىء فإن الثعالبى الذى اختار له التعليم مهنة، وفضلها على «صناعة فراء الثعالب» قد أجاد الاختيار وقدمه لنا ولأبنائنا فى عشرة أبواب تضمنت النثر المشتمل على سحر البيان، والشعر المحاكى قطع الجمان «1» ! وما ظنك بمن لقّب بجاحظ زمانه، وجمع فى «يتيمته» من روائع الشعر حتى منتصف القرن الرابع الهجرى ما جعله بحق شاهدا على عصره! وصدق عليه قول ابن خلّكان فى وفيات الأعيان: «جامع أشتات النثر والنظم» .
لقد شهد أبو منصور العصر الثالث العباسى الذى نهض فيه الأدب فى ظل «الدّويلات» ، فى العراق، وفارس، وخراسان، على يد «البويهيين» ، كما نهض فى تركستان على يد «السّامانيين» ، فى بخارى، ونيسابور، مسقط رأس أبى منصور! وها هو ذا كتابه يشهد له بالسبق والتفوق.
أرجو الله أن يمنحنى القدرة على استكمال إحياء مكتبته، وألا يحرمنى مثوبة هذا العمل عنده فهو ولى الإجابة، وإليه الإنابة.