ذلك من صفات الحروف، فلا يخفى عليك أن مادة الصوت في القرآن هي مظهر الانفعال النفسي، وأن هذا الانفعال بطبيعته هو سبب في تنويع الصوت، بما يخرجه فيه مدًّا أو غنةً أو لينًا أو شدة، وبما يهيئ له من الحركات المختلفة في اضطرابه وتتابعه على مقادير تناسب ما في النفس من أصولها، ثم هو يجعل الصوت إلى الإيجاز والاجتماع أو الإطناب والبسط بمقدار ما يكسبه من الحدوة والارتفاع والاهتزاز وبعد المدى ونحوها.
كأنه حادي يحدو بنفس من يقرأه، كما يحدو صاحب الإبل لها ليستثيرها وليحركها وليجدها في السير، هذه الصفة تبدو واضحة لمن أراد أن يقرأ كتاب الله سبحانه وتعالى.
هذا أيها الابن الكريم يؤدي إلى ما نسميه بالتأثير النفسي للقرآن الكريم وغلبته على الطبع العربي وغيره، كيف وغيره؟ نعم غلبة القرآن بطريقته وبطريقة أدائه على النفس العربية وغير العربية، بل على النفس المؤمنة والجاحدة، تتأثر بهذا الكلام الكريم الجميل الذي هو كلام رب العالمين، فتتأثر له، وكم سمعنا عمن أسلم من الغرب لسماعه آيات من القرآن الكريم، وهو أعجمي، لا يعرف العربية ولا يعرف الإسلام وإنما هزه ذلك التوقيع الجميل وهذا الصوت الذي يسمعه وهذا الذي يكون ممن يجيد تلاوة القرآن الكريم، ولاسيما إن كان حسن الصوت، هذا ما يُسمى -أيها الابن الكريم- بطريقة الاستهواء الصوتي، أي هذا يستهوي من يسمع كلام الله -سبحانه وتعالى- إلى الاسترسال وإلى سماع كلام الله عز وجل.
هناك دليل آخر على إعجاز القرآن في تركيب حروفه وأصواته اللغوية: ما هو هذا الدليل؟
أن توازن بين القرآن وبين أي نص آخر، بمعنى: أن القرآن لا يخلق أي لا يبلى، ولا يُسأم منه، ولا ينتهي وقته، كما يُقال على كثرة الرد وطول التكرار، ولا تمل منه الإعادة، وكلما أخذت فيه على وجهه الصحيح فلم تخل