جمدت فيه المياه وشكّلت هيئة جبل ومر موسى -عليه السلام- ومن معه ثم عاد البحر كما كان قبل أن يمر موسى -عليه السلام- ومن معه، وكذلك عيسى -عليه السلام- عندما أحيا الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص، نظروا في هذا المعجزة وعلموها مع وجود عيسى -عليه السلام- وشاهدوها بأعينهم، فهذه المعجزات التي أتى بها الأنبياء حتى معجزة إبراهيم -عليه السلام- عندما حطم الأصنام وعندما جابه أهل الأوثان وبين لهم فساد معتقداتهم وجاءوا به -عليه السلام- ليجعلوه عبرة لمن يتطاول على آلهتهم وسعّروا النيران وجعلوها مؤججة عالية تلتهم أي شيء يقربها حتى أن الطير إذا حام حولها سقط فيها من شدة لهيبها، هذه النيران التي جعلوها ليُلقوا فيها إبراهيم -عليه السلام- على أعين الناس لعلهم يشهدون، هذه النيران سُلبت خاصيتها وهي الإحراق، فدخل إبراهيم -عليه السلام- وجلس هانئًا مطمئنًا لا يشعر بحرها، بل إنها كانت بردًا وسلامًا عليه، {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلاَمًا عَلَى إِبْرَاهِيم} (الأنبياء: 69) هذه المعجزات لا يعرفها إلا من شهدها فهو يؤمن بها، أما من جاء بعدهم كانت بالنسبة له أخبار تحكى، وقول يسمعه إن آمن به آمن وإن جحد به كان له أن ينكر ذلك ويدعي أنه لا يصدقه.
هذا بالنسبة لمعجزات الأنبياء، أما القرآن على خلاف هذا، القرآن معجزة عقلية باقية خالدة إلى أن تقوم الساعة، القرآن حتى الآن هو معجزة النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي يُتحدى بها كل من لا يؤمن به، الذي لا يؤمن بالقرآن يقال له: {فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ} (البقرة: 23) يقال له: هذا كتاب الله -عز وجل- أنزله على رسوله صدقًا إلى أن تقوم الساعة وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فليس بالمعجزة الحسية وإنما هو معجزة عقلية، هذه هي النقطة الأولى.