والقواعد التي وضعها العلماء لتوجيه كلام الله سبحانه وتعالى، فكل يؤخذ من كلامه ويرد إلا رسول الله -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم؛ لأنه مؤيد بالوحي معصوم من ربه يخبر بخبر الله -سبحانه وتعالى.

تعرض الخطيب الإسكافي لتكرار كلمة "الناس" في سورة الناس من قول الله سبحانه وتعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} (الناس: 1 - 6)، يقول: "للسائل أن يسأل عن تكرير الناس في فواصل هذه السورة في خمسة مواضع، وهي ست آيات قد ختمت أواخر خمس منها بالناس، وواحدة بالخناس، والجواب عن ذلك أن يقال: إنما اتصف الله تعالى أولًا {بِرَبِّ النَّاسِ} ثم بـ {مَلِكِ النَّاسِ} ثم بـ {إِلَهِ النَّاسِ} لحكم دعت إلى ذلك، وأوجبت تقديم الأول وتعقيبه بالثاني والثالث على الترتيب الذي جاء؛ لأن رب الشيء هو القائم بإصلاحه وتدبير أمره، فنبه بتقديمه على ما ترتب من نعمه على الإنسان لَما أنشأه ورباه، وهذه أولى أحواله.

والثانية: إنعامه عليه بالعقل الذي يثبت عليه ملكه له، فيعلم أنه عبد مملوك وأن الذي بلغ به تلك الحال من حد الطفولة هو الذي يملكه وأمثاله، فجعل الوصف الثاني "ملك الناس"، ولما كان بعد ذلك تكليف العبادات التي هي حق الله تعالى على من عرفه نفسه أنه عبد مملوك، وعرفه أنه عز وجل خالقه وتلزمه طاعته ليلتزم غاية التذلل لمن هو أكبر الإنعام والتطول جعل الوصف الثالث "إله الناس" فصار الناس الذين أضيف إليهم رب كأنهم غير الذين أضيف إليهم ملك، والذين أضيف إليهم ملك غير الذين أضيف إليهم إله، وإذا أريد بالثاني غير الأول لم يكن تكرارا، فترتيب الصفات ينبه على أن المراد بالناس ذوي الأحوال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015