الله تعالى في قوله سبحانه: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} (النساء: 86) فاختلف سلامهم عن سلامه -عليه أفضل الصلاة والسلام. وكذلك قوله تعالى: {قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ} (الأنبياء: 55) فقوم إبراهيم -عليه السلام- يقولون له: أأحدثت عندنا تعاطي الحق فيما نسمعه منك؟ أم اللعب وأحوال الصبا مستمرة عليك؟ وفي قوله -سبحانه وتعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} (البقرة: 8) فقد أجاب الله تعالى عن قولهم: {آمَنَّا} بقوله: {وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} لإخراج ذواتهم من جنس المؤمنين؛ مبالغةً في تكذيبهم، ولهذا أطلق قوله: {مُؤْمِنِينَ} وأكد نفيه بالباء".
وهذا الذي ذكره الدكتور لاشين مأخوذ من كلام ابن الأثير في (المثل السائر) عندما بين أنه يُعدل عن أحد الخطابين إلى الآخر بضرب من التأكيد والمبالغة، أي يعدل عن الجملة الفعلية إلى الجملة الاسمية لهذا الغرض، ومثَّل بقولهم: قام زيد، وإن زيدًا قائم، فقولنا: قام زيد، معناه: الإخبار عن زيد بالقيام، وقولنا: إن زيدًا قائم، معناه: الإخبار عن زيد بالقيام أيضًا، إلا أن في الثاني زيادةً ليست في الأول، وهي توكيده بإنَّ المشددة التي من شأنها الإثبات لما يأتي بعدها، وإذا زيد في خبرها اللام فقيل: إن زيدًا لقائم، كان أكثرَ توكيدًا في الإخبار بقيامه. وهذا المثال يُقاس عليه غيره. وهذا ما ذكر من استشهادهم بمجيء الجملة الاسمية كأداة من أدوات التوكيد، وهو معروف فيما يستدلون به وبما يذكره النحاة في التفرقة بين: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} (يوسف: 18) بالرفع على أن الجملة اسمية، وبين ما قرئ في الشواذ: "فصبرًا جميلًا" بالنصب على أن الجملة اسمية، بأن هناك فرقًا، وهو التوكيد باستخدام الجملة الاسمية وكون المصدر مرفوعًا.