راضون، وأنت بما عندك راضٍ، كأنه يريد أن يبين للذي يحدِّثه أنه لا ينفع معه النصح ولا يتقبل النصح، فضيقًا قال هكذا: نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض، والرأي مختلف.
هذه نظرة البلاغيين.
أما نظرة النحاة في هذه المسألة فهي واضحة معلومة: أن الحذف لوجود ما يدل عليه، فإذا ما كان هناك دليل جاز الحذف بلا خلافٍ عندهم. في البيتين هناك دليل على الحذف في ذكر المسند مع غير ما حذف منه المسند.
من الشواهد على حَذْف المسند لأسباب نحوية -كما هو معلوم- عند النحاة: حذف الخبر في جواب القسم بقوله تعالى: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} (الحجر: 72) وكذلك: الحذف لوجود دليل كقوله تعالى: {أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} (الرعد: 35) أي: وظلها دائم. كذلك في قوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} (الطلاق: 4) فهنا الإيجاز أدَّى إلى التعبير من أقصر طريق، أي: واللائي لم يحضن مثلهن في هذا الحكم عدتهن كذلك.
مما يوقف معه في حذف المسند من الأمثلة الجميلة قولُه تعالى: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ} (التوبة: 62) ففي قوله تعالى: {أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} هو خبر عن لفظ الجلالة أي: الله أحق أن يرضوه، أما خبر قوله: {وَرَسُولُهُ} فهو محذوف دل عليه الخبر السابق الذي ذكر مؤخرًا. فيقول أحد الباحثين: سر ذلك الحذف -والله أعلم بمراده- جعل إرضاء الرسول بمنزلة إرضاء الله -عز وجل- لا فرقَ بينهما، وتأكيدًا لهذه