القرآن، وعندما سئل عن رأيه فيه، فقال: "إن أعلاه لمورق وإن أسفله لمغدق، وإنا له لطلاوة وإن عليه لحلاوة"، والقصة المشهورة من غيرهم عندما كانوا يتسللون لسماع القرآن انبهارًا ببلاغته وبجمال قوله -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، عندما كان يتلو آيات ربه، فلو كانت المسألة بالصرفة لما استعظم العرب بلاغة القرآن، وتعجبوا من حسنها وفصاحتها.
خامسًا: أن العجز يشمل الإنس والجن، والقول بالصرفة يُدخل رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- فيه، وهذا يعني أن النبوة أوجبت أن يُمنع النبي -صلى الله عليه وسلم- شطرًا من بيانه وفصاحته، وهو أفصح العرب؛ هو بذلك لا يستطيع أن يقول مثل القرآن، وأنه -صلى الله عليه وسلم- عندما تلا عليهم قوله تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} (الإسراء: 88) تلا عليهم هذه الآية وتحداهم مع استطاعته أن يأتي بمثل القرآن، لولا أن الله صرفه عن ذلك، إلا أن يقولوا تبجحًا وجهالة: إنه -صلوات الله وسلامه عليه- كان دونهم في الفصاحة.
ويرد هذا القول إن قيل -عياذا بالله-: أنه -صلى الله عليه وسلم- أفصح العرب، ولا يشك في ذلك عربيٌّ سمع كلامه -صلوات الله وسلامه عليه-؛ بمعنى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أفصح العرب، لغته وفصاحته أقل من فصاحة القرآن الكريم، لو كانوا يستطيعون ذلك -العرب لو كانوا يستطيعون أن يعارضوا القرآن- وصرفت عنه قرائحهم، لقالوا للرسول -صلى الله عليه وسلم-: ما لنا قد نقصنا في قرائحنا وقد حدث كلول في أذهاننا، بسبب سحرك الذي سحرته لنا؛ إن آية التحدي تدل على فساد هذا القول؛ فهي نص في عدم استطاعتهم، لا في الحول بينهم وبين فعل ذلك: {لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} فالله -سبحانه وتعالى- نص على أنهم لا يستطيعون أن يأتوا بمثله، وليست الآية في أنهم حيل بينهم وبين أن يأتوا بمثل القرآن.