موسى -عليه السلام-: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} (طه: 50) فعندما سأله في الثانية: {قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى* قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ} (طه: 51، 52) فنراه -عليه السلام- ذكر في الأولى: {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ} أي: ذكر المسند إليه، وأما في الثانية حَذَفَ المسند إليه، فقال: {عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ} لم يقل: القرون الأولى علمها عند ربي في كتاب؛ لأن هذه المسألة ربما تُجهل على فرعون، فأراد المبادرة ببيانها.
أما الأولى فهو سؤال أحمق من رجل متكبر عاتٍ يقول: {فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى} فذكر موسى -عليه السلام- المولى -سبحانه وتعالى- المسند إليه فقال: {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} ذكره؛ تنبيهًا له على أن هذا السؤال ينبغي أن لا يسأل؛ لأن الرب -سبحانه وتعالى- هو خالق جميع المخلوقات التي أنت منها أيها المتكبر العاتي.
كذلك من الأغراض التي ذكروها في ذكر المسند إليه هي زيادة الإيضاح والتقرير، كما في قوله تعالى: {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (البقرة: 5) فقد جاءت هذه الآية بيانًا لمنزلة المتقين عند الله عقب وصف خصالهم الحميدة التي تميزوا بها في الآيتين السابقتين: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} (البقرة: 3، 4) فكان تكرير اسم الإشارة: {أُولَئِكَ} الواقع مسندًا إليه لتقرير هذه المنزلة، وإظهار مزيد العناية بشأن المشار إليهم.
من الأغراض أيضًا التي ذكروها لذكر المسند إليه هو تقرير الخبر والفعل في صورة بينة واضحة، كما في قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ