التي تكون حسنة مستغربة في التأويل، بحيث لا يتساوَى في العلم بها أهلها وسائرُ الناس، أي: العرب الخلص هم الذين يعرفون هذه اللفظة، ويعرفون المراد منها، أما سائر الناس ممن هم دونهم في الفصاحة أو في العروبة ومعرفة كلام العرب، لا تتساوَى عندهم هذه اللفظة، وهذا الذي عدوه من الغريب اجتهد العلماء في جمعه وفي حصره مما أُطلق عليه غريب القرآن. وهذا أمر يرجع فيه إلى الكتب المختصة بعلوم القرآن كما في (الإتقان) للسيوطي، و (البرهان) للزركشي، وغير ذلك من الكتب التي تهتم بهذا المجال.
فمنشأ الغرابة فيما عدوه من الغريب ناتج عن اختلاف اللغات، بأن تكون هناك لغات متفرقة أو يكون الاستعمال على وجه من وجه الوضع اللغوي يُخرجه مخرج الغريب، كاستخدام الظلم والكفر والإيمان ونحوها مما نُقل عن مدلوله من لغة العرب إلى المعاني الإسلامية المحدثة، أو يكون سياق الألفاظ قد دل بالقرينة على معنى غير الذي يُفهم من ذات الألفاظ، كقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} (القيامة: 18) {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ} هنا بمعنى بيناه، {فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} فاعمل به، فهذا مما ذكره الرافعي في بيان منشأ الغرابة فيما عدَّى أو عرف بأنه من غريب القرآن.
اجتهد العلماء في بيان أسباب هذه الغرابة أو ما أطلق عليه الغريب، وحَصَرها الأستاذ الدكتور إبراهيم عبد الرحمن خليفة في بعض الأسباب؛ منها: تعنت مشركي قريش وتجاهلهم في فهم الواضحات؛ تلبيسًا على القرآن. يعني: أنهم يعلمون معنى الكلمة ولكنهم يسألون النبي -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- مع هذا العلم لغرض التعنت والتجاهل، كقولهم: ما الرحمن؟ هم يعلمون لفظة الرحمن ومرادها: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا