كانت قراءة مَن مِن القراء من العشرة، أو ما هو أعلى منهم، كما صرح في بداية كتابه.
وهذا كلام لا نستطيع أن نمر عليه مرور الكرام أو أن نتجاوزه؛ لأن هذه القراءة قراءة الأكثرين بإثبات الياء: "ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي" وهذا كونها تخالف رسم المصحف، هذا دعوة لا دليلَ على صحتها؛ لأنها توافق الرسم احتمالًا، والمصحف له خمسة المقصد باختلاف رسم المصحف ليس المصحف العثماني وحده، وإنما المصاحف الخمسة أن تأتي القراءة مخالفة لاحتمال الرسم في المصاحف جميعًا، ولا شك طالما أنها قراءة الأكثرين فهي تُثبت في أحد المصاحف ولو احتمالًا، فلا حجةَ لردها.
فذلك مما استدعى أن نقف عنده من الكلام عن وجوه القراءة، وعن ورودها بهذه الشروط التي أشير إليها. وهذا بالنسبة لرسم المصحف.
وبالنسبة لموافقة العربية، فإن العلماء اتفقوا على أنه لا يُعول في القراءة على ما هو أفشى في اللغة وأقيس في العربية دون ما هو أثبت في الأثر وأصح في النقل؛ لأن العرب متفاوتون في خلوص اللغة وقوة المنطق، فإن قرءوا فلكل قبيل نهجه، ومن هنا اشتهرت قراءات معينة تحدثوا فيه أنكرها مَن يطعن في السند ومَن لا يتحدث أو لا يعظم مسألة الأثر، ويقدم -كما قيل- الدراية على الرواية، وهذا الأمر لا يجوز في مسألة القراءات، فإن الرواية فيها مقدمة قطعًا على الدراية، يعني: لا إعمالَ للعقل فيما صحت روايته وتناقلت عن القراء تناقلًا تواترًا، لا مِريةَ فيه، يلزم أخذه دون ردٍّ.
مِن ذلك: ما كان من تطاول بعضهم على قراءة حمزة: "وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامِ" (النساء: 1) اعتراضًا بأنه عَطْف على الضمير المتصل دون