الحركات بالخفة والروعة، هذا نظرك عامة في الحركات وأثرها، هذا تعبير الرافعي -رحمه الله- عن دور الحركات، ولكن قبل أن أذكر لك موضع استشهاده على هذه المسألة وقصة الضبط والحركة وهناك مواضع أخرى نذكرها -إن شاء الله-؛ أريدك -أيها الابن الحبيب- أن تسمع معي هذه الرائعة التي ذكرها الدكتور عبد الله دراز -رحمه الله- في وصف هذه المسألة وهي "الحركات وأثرها على السمع" وأنت تسمع القرآن الكريم:
يقول: أول ما يلاقيك ويستدعي انتباهك من أسلوب القرآن الكريم خاصية تأليفه الصوتي في شكله وجوهره، دع القارئ المجوّد يقرأ القرآن يرتله حق ترتيله، نازلًا بنفسه على هوى القرآن، وليس نازلًا بالقرآن على هوى نفسه، ثم انتبذ منه مكانا قصيّا لا تسمع فيه جرس حروفه، ولكن تسمع حركاتها وسكناتها، ومادّاتها وغناتها، واتصالاتها وسكتاتها، ثم ألقي سمعك إلى هذه المجموعة الصوتية وقد جُردت تجريدًا، وأرسلت سابحة في الهواء- فستجد نفسك منها بإذاء لحن غريب عجيب لا تجده في كلام آخر، قد جُرّد هذا التجريد وجوّد هذا التجويد، ستجد اتساقا وائتلافًا يسترعي من سمعك ما تسترعيه الموسيقى والشعر، على أنه ليس بأنغام الموسيقى ولا بأوزان الشعر.
وستجد شيئًا آخر لا تجده في الموسيقى ولا في الشعر؛ ذلك أنك تسمع القصيدة من الشعر فإذا هي تتحد الأوزان فيها بيتًا بيتًا وشطرًا شطرًا، وتسمع القطعة من الموسيقى فإذا هي تتشابه أهواؤها وتذهب مذهبًا متقاربًا، فلا يلبث سمعك أن يمجها وطبعك أن يملها، فإذا أعيدت وكررت عليك بتوقيع واحد، بينما أنت من القرآن أبدًا في لحن متنوع متجدد؛ تنتقل فيه بين أسباب وأوتاد وفواصل على أوضاع مختلفة، يأخذ منها كل وتر من أوتار قلبك بنصيب سواء، فلا يعروك منه