أَطْوَارًا} (نوح: 13، 14) هذا ما تنبه إليه البعض في قضية الفواصل واستخدامها وأثرها الصوتي، باعتبار أن الفاصلة في القرآن الكريم تساوي القافية في الشعر أو ما يختتم به الحرف في سجع العرب في كلامهم، فأتت فواصل القرآن الكريم بطريقة تأسر الأسماع وتستولي على القلوب وتستقطب العقول، فكان بها وجه إعجازٍ، لا يخفى على من له ذوق في العربية ويتذوق كلام العرب.
بقي في هذا الموضوع نقطتان:
النقطة الأولى: هي حركات الحروف: الحركات التي تأتي على الحرف؛ ما بين ضم وفتح وكسر، هذه الحركات لها دورٌ بارز في إعجاز القرآن الكريم، هناك مسألة سنتعرض لها -إن شاء الله- بعد ذلك وهي تأثير الضبط في توجيه القراءات القرآنية، وهذا موضوع لنا فيه حديث -إن شاء الله- سبحانه وتعالى، أما كلامنا الآن فهو حول تأثير الحرف على السمع باعتبار ذلك جرس القرآن الكريم؛ أي صوته الذي تسمعه وتتأثر به.
ولو تدبرت ألفاظ القرآن في نظمها لرأيت حركاتها الصرفية واللغوية تجري في الوضع والتركيب مجرى الحروف أنفسها فيما هي له من أمر الفصاحة، فيهيئ بعضها لبعض، ويساند بعضًا، ولكن لن تجدها إلا مؤتلفة مع أصوات الحروف مساوقة لها في النظم الموسيقي، حتى إن الحركة ربما كانت ثقيلة في نفسها لسبب من أسباب الثقل أيها كان، فلا تعزب ولا تساغ، وربما كانت أوكس النصيبين في حظ الكلام من الحرف والحركة، فإذا هي استعملت في القرآن رأيت لها شأنًا عجيبًا، ورأيت أصوات الأحرف والحركات التي قبلها قد انتهجت لها طريقة في اللسان، واكتنفتها بدروب من النغم الموسيقي، حتى إذا خرجت فيه كانت أعزب شيء وأرقه وجاءت متمكنة في موضعها، وكانت لهذا الموضع أولى