وفي التفسير العلمي للآيات الكونية نوظف كل المعارف المتاحة من الحقائق والثوابت العلمية، ولكن بما أن العلم لم يصل إلى الحقيقة في كل أمر من الأمور، ولا يزال أمامه من الغيوب أكثر الكثير؛ فلا أرى -هكذا يقول الدكتور زغلول- حرجًا في مجال التفسير العلمي للقرآن الكريم من توظيف النظريات، والفروض المنطقية السائدة، والمشاهدات المتكررة؛ وذلك لأن التفسير يبقى جهدًا بشريًّا، لحسن فهم دلالة الآية القرآنية لمن أصاب فيه أجران، ولمن أخطأ أجر واحد، والخطأ في التفسير لا يمكن أن ينسحب على جلال القرآن الكريم. أما الإعجاز العلمي للقرآن: فلا يجوز أن يوظف فيه إلا القطعي من الثوابت العلمية؛ وذلك لأن المقصود بالإعجاز العلمي هو إثبات أن القرآن الكريم الذي أوحي به إلى نبي أمي -صلى الله عليه وسلم- في أمة كانت غالبيتها الساحقة من الأميين من قبل أربعة عشر قرنًا يحوي من حقائق هذا الكون ما لم يتمكن الإنسان من الوصول إليه إلا منذ عقود قليلة، وبعد مجاهدات طويلة وهذا لا يمكن لعاقل أن يتصور له مصدرًا إلا بوحي من الله الخالق البارئ المصور؛ وعلى ذلك فلا يجوز توظيف غير الحقائق القطعية الثابتة في مجال الإعجاز العلمي للقرآن الكريم؛ باستثناء آيات الخلق، والإفناء، والبعث بأبعادها الثلاثة، خلق الكون، خلق الحياة، خلق الإنسان وإفناء ذلك كله ثم بعثه، وذلك لأن هذه القضايا لا يمكن أن تخضع مباشرة لإدراك الإنسان.
ومن ثم فإن العلوم المكتسبة لا يمكن أن تتجاوز فيها مرحلة التنظير، وتتعدد النظريات في مجال الخلق بتعدد خلفيات واضعيها، ويبقى للمسلم نور من الله في آية قرآنية كريمة، أو في حديث نبوي صحيح منسوب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمكن أن يعينه على الارتقاء بإحدى هذه النظريات إلى مقام الحقيقة؛ لا لأن العلوم المكتسبة قد وصلت فيها إلى الحقيقة، ولكن لمجرد وجود إشارة لها في كتاب الله، أو في سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم. وهنا أيضًا لا بد من التأكيد على صعوبة التعرض لقضايا