بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الثامن عشر
(تابع: ش رح قوله تعالى: {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ} - قوله: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ ... })
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
كنا تحدثنا عن قول الله تعالى {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ} وذكرنا المفردات اللغوية وذكرنا أقوال المفسرين في هذه الآية. نأتي إلى: كروية الأرض في المعارف المكتسبة.
كان أول من قال بكروية الأرض فلاسفة الحضارة العراقية القديمة المعروفة باسم حضارة ما بين النهرين في حدود سنة 2000 قبل الميلاد، وعنهم أخذ فلاسفة اليونان، ومنهم فيثاغورث الذي نادى بها في منتصف القرن السادس قبل الميلاد، مؤكدًا أن الشكل الكروي هو أكثر الأشكال الهندسية انتظامًا؛ لكمال انتظام جميع أجزاء الكرة بالنسبة إلى مركزها، وعلى ذلك فإن الأرض وجميع أجرام السماء لا بد أن تكون كروية الشكل.
وبقي هذا الرأي شائعًا في الحضارة اليونانية القديمة حتى القرن الرابع قبل الميلاد، إلى أن عارضه أرسطو، أشاع بين الناس الاعتقاد باستواء الأرض ب ل اأدنى انحناء.
وفي عهد الخليفتين العباسيين الرشيد والمأمون في القرن الهجري الثاني، وأوائل القرن الثالث نادى عددٌ من علماء المسلمين، ومنهم البيروني، وابن سينا والكندي، والرازي، وغيرهم بكروية الأرض التي استدلوا عليها بعدد من الظواهر الطبيعية التي منها ما يلي:
1 - استدارة حدّ ظل الأرض حتى يقع على سطح القمر في أوقات كسوفه.
2 - اختلاف ارتفاع النجم القطبي بتغير مكان الراصد له قربًا من خطِّ الاستواء، أو بعدًا عنه.
3 - تغيير شكل قُبَّة السماء من حيث مواقع النجوم، وتوزيعها فيها باقتراب الراصد لها من أحد القطبين.