لكم ولأنعامكم. وجاء في (صفوة التفسير) ما نصه:} وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا {؛ أي والجبال أثبتها في الأرض، وجعلها كالأوتاد لتستقر وتسكن بأهلها متاعا لكم ولأنعامكم؛ أي فعل ذلك كله منفعة للعباد، وتحقيقا لمصالحهم ومصالح أنعامهم ومواشيهم.
من الدلالات العلمية لقوله تعالى:} وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ {
فهم المفسرون السابقون من قول الحق -تبارك وتعالى-:} وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا {أن الضمير في أرساها يعود على الجبال، ومن هنا قالوا: إن عملية الإرساء تتعلق بالجبال على أساس من أن الضمير في العربية يعود على أقرب اسم إليه، وانطلاقا من ذلك فقد فهموا من الآية الكريمة معنى تثبيت الجبال في الأرض وجعلها كالأوتاد لتستقر وتسكن بمن عليها فلا تميد ولا تضطرب.
وهذا الكلام يحمل في طياته أيضا تثبيت الأرض؛ لأن ضمير الغائب في الآيتين السابقتين، والذي جاء أربع مرات يعود على الأرض، ولا يستبعد أن يكون كذلك في آية الجبال؛ حيث يقول ربنا -سبحانه-:} وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ {(النازعات: 30 - 33) والصياغة هنا تحتمل معنى وبالجبال أرساها؛ فيكون المعنى إرساء الأرض بواسطة الجبال، بينما المعنى الأول يتعلق بإرساء الجبال على سطح الأرض، والمعنيان صحيحان صحة كاملة حسب معطيات علوم الأرض الحديثة؛ فالجبال مثبتة في الغلاف الصخري للأرض، وهي أيضا مثبتة لهذا الغلاف الصخري.
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.