وقد اختير الذباب بالذات وهو ضعيف حقير وهو في الوقت نفسه يحمل أخطر الأمراض، ويسلب أغلى النفائس؛ يسلب العيون والجوارح، وقد يسلب الحياة والأرواح. إنه يحمل ميكروبات السل والتيفود والديسونتاريا والرمد، ويسلب ما لا سبيل إلى استنقاذه وهو الضعيف الحقير، وهذه حقيقة أخرى كذلك يستخدمها الأسلوب القرآني المعجز ولو قال: وإن تسلبهم السباع شيئا لا يستنقذوه منها، لأوحى ذلك بالقوة بدل الضعف، والسباع لا تسلب شيئا أعظم مما يسلبه الذباب، لكنه الأسلوب القرآني العجيب.

ويختم ذلك بالمثل المصور الموحى ب هذا التعقيب {ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} ليقرر ما ألقاه المثل من ظلال، وما أوحى به إلى المشاعر والقلوب.

وذكر أصحاب (المنتخب في تفسير القرآن الكريم) جزاهم الله خيرا ما نصه: يا أيها الناس إنا نبرز أمامكم حقيقة عجيبة في شأنها فاستمعوا إليها وتدبروها. إن هذه الأصنام لن تستطيع أبدا خلق شيء مهما يكن حقيرا تافها كالذباب، وإن تضافروا جميعا على خلقه، بل إن هذا المخلوق التافه لو سلب من الأصنام شيئا من القرابين التي تقدم إليها؛ فإنها لا تستطيع بحال من الأحوال أن تمنعه عنه أو تسترده منه، وما أضعف الذي يهزم أمام الذباب عن استرداد ما سلبه منه، وما أضعف الذباب نفسه كلاهما شديد الضعف، بل الأصنام كما ترون أشد ضعفا؛ فكيف يليق بإنسان عاقل أن يعبدها ويلتمس النفع منها.

وجاء في (صفوة التفاسير) جزى الله كاتبها خيرا ما نصه: يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له؛ أي يا معشر المشركين ضرب الله مثلا لما يعبد من دون الله من الأوثان والأصنام فتدبروه حق التدبر، واعقلوا ما يقال لكم. إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له؛ أي أن هذه الأصنام التي عبدتموها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015