المأكولات والمشروبات والمنكوحات، وجميع ما وقع ويقع في الكائنات ما يحقق معنى قوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (الأنعام: 38).
قال السيوطي: انتهى كلام أبي الفضل المرسي ملخصًا مع زيادة". ثم بعد رواية السيوطي لهذه المقالة الطويلة نجده يذكر عن أبي بكر بن العربي أنه قال في كتابه (قانون التأويل): "علوم القرآن خمسون علمًا، وأربعمائة علم وسبعة آلاف علم وسبعون ألف علم على عدد كلم القرآن مضروبة في أربعة. إذ لكل كلمة ظهر وبطن وحد ومطلع، وهذا مطلق دون اعتبار الترتيب وما بينها من روابط، وهذا ما لا يحصى وما لا يعلمه إلا الله". وأخيرًا عقب السيوطي على هذه النقول وغيرها، فقال: "وأنا أقول: قد اشتمل كتاب الله العزيز على كل شيء، أما أنواعه فليس منها باب ولا مسألة هي أصلًا وإلا وفي القرآن ما يدل عليها، وفيه عجائب المخلوقات، وملكوت السموات والأرض وما في الأفق الأعلى وما تحت الثرى. وإلى غير ذلك مما يحتاج شرحه إلى مجلدات".
ومن هنا يتبين كيف ظهرت آثار الثقافات العلمية للمسلمين في تفسير القرآن الكريم وكيف حاول هؤلاء العلماء المتقدمون أن يجعلوا القرآن منبع العلوم كلها ما جد، وما يجد إلى يوم القيامة، هذه النزعة التفسيرية العلمية للقرآن الكريم تمتد من عهد النهضة العلمية العباسية إلى يومنا هذا. وفي بداية الأمر كانت عبارة عن محاولات يقصد منها التوفيق بين القرآن، وما جد من العلوم، ثم وجدت الفكرة مركزة وصريحة على لسان الغزالي وابن العربي والمرسي والسيوطي، وهذه الفكرة قد طبقت علميًّا. وظهرت في مثل محاولات الفخر الرازي ضمن تفسيره للقرآن، ثم وجدت بعد ذلك كتب مستقلة لاستخراج العلوم من القرآن، وتتبع الآيات الخاصة بمختلف العلوم. وراجت هذه الفكرة في العصر المتأخر رواجًا كبيرًا بين جماعة من أهل العلم، ونتج عن ذلك مؤلفات كثيرة تعالج هذا الموضوع، كما ألفت بعض التفاسير التي تسير على ضوء هذه الفكرة. هؤلاء هم المؤيدون للتفسير العلمي.