خامسًا: أدى إثبات توسع الكون إلى التصور الصحيح بأننا إذا عدنا بهذا التوسع إلى الوراء مع الزمن، فلابد وأن تلتقي كل صور المادة والطاقة كما يلتقي كل من المكان والزمان في نقطة واحدة. وأدى ذلك إلى الاستنتاج الصحيح بأن الكون قد بدأ من هذه النقطة الواحدة بعملية انفجار عظيم، وهو مما يؤكد أن الكون مخلوق له بداية، وكل ما له بداية فلابد وأن ستكون له في يوم من الأيام نهاية، كما يؤكد حقيقة الخلق من العدم لأن عملية تمدد الكون تقتضي خلق كل من المادة والطاقة بطريقة مستمرة من حيث لا يدرك العلماء، وذلك ليملأ في التو والحال المسافات الناشئة عن تباعد المجرات بسرعات مذهلة، وذلك لكي يحتفظ الكون بمستوى متوسط لكثافته التي نراه بها اليوم، وقد أجبرت هذه الملاحظات علماء الغرب على هجر معتقداتهم الخاطئة عن ثبات الكون، والتي دافعوا عنها طويلا انطلاقا من ظنهم الباطل بأزلية الكون وأبديته لكي يبالغوا في كفرهم بالخلق وجحودهم للخالق.
هذه الاستنتاجات الكلية المهمة عن أصل الكون وكيفية خلقه وإبداع صنعه وحتمية نهايته؛ أمكن الوصول إليها من ملاحظة توسع الكون، وهي حقيقة من أهم حقائق علم الفلك لم يتمكن الإنسان من إدراكها إلا في الثلث الأول من القرن العشرين، ودار حولها الجدل حتى سلم بها أهل العلم أخيرا، وقد سبق القرآن الكريم بإقرارها قبل أربعة عشر قرنا أو يزيد، ولا يمكن لعاقل أن يتصور مصدرا لتلك الإشارة القرآنية الباهرة غير الله الخالق سبحانه، فسبحان خالق الكون الذي أبدعه بعلمه وحكمته وقدرته، والذي أنزل لنا في خاتم كتبه وعلى خاتم أنبيائه ورسله عددا من حقائق الكون الثابتة، ومنها تمدد الكون وتوسعه فقال سبحانه: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} (الذاريات: 47) لتبقى هذه الومضة القرآنية الباهرة مع غيرها من الآيات القرآنية شهادة صدق بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق، وأن سيدنا ونبينا محمدا -صلى الله عليه وسلم- هو خاتم أنبياء الله ورسله