إنه ضغط الحاضرِ، واستعلاء هذه العلوم، والشعور بالحاجة إلى التعريف بما عند المسلمين من سبق إلى هذه القضايا، فصرنا نتلمس ما وصل إليه علمهم، ثمَّ نبحث عما يصدِّقه من كتابنا، ولم ننطلق من المعامل لنثبت صحة ما عندنا من كتابنا، والفرق بين الأسلوبين واضح.
2 - إنَّ جَعْلَ مَرَدِّ الإعجاز إلى السبق بالإخبار عن هذه الأمور التي لم يظهر أمرها إلا في هذا العصر فيه نظر من وجوه:
الأول: أنَّه تخصيص متحكِّمٌ لمعنى الإعجاز، وهو مخالفٌ لما عرَّفه العلماء السابقون، فأين وجه خرقِ العادة؟ وأين وجه التحدِّي الذي ذكره هؤلاء في تعريف المعجزة ذكرَ مقرٍّ بتعريف العلماء السابقين؟
الثاني: أنَّ هذه الخصِّيصة ـ وهي الإخبار عن الآيات الكونية ـ ليست من خصوصيات القرآن، بل هي في كل كتب الله التي تحدَّثت عن كونِه لا محالة في ذلك، فالمتكلِّم بهذا الوحي للأنبياء هو خالق الكون، والحقيقة الكونية لا يمكن أن تختلف في هذا الوحي، سواءً أكان نازلاً على موسى عليه السلام، أم كان نازلاً على محمد صلّى الله عليه وسلّم.
ولا شكَّ ـ أيضاً ـ أن الفرق بين القرآن وغيره من الكتب هو حفظه سليماً من التحريف والتبديل الذي طال ما بقي من كتب الله ـ سبحانه ـ إلى أنبيائه.
كما يلاحظُ أيضاً أن بعض ما وُجِدَ من تراث السابقين من تلك العلوم كان صحيحاً، ولا زالت لا تُعرفُ طريقة وصولهم إليه ـ مع صحة نتائجهم ـ فهل يُعدُّ سبقهم إلى هذا من الإعجاز؟
وكذا تجدُ في التراث الشعري لأميَّة بن أبي الصلت الثقفي (ت:8) إخباراً بقضايا كونية، وهي صحيحة أيضاً، فهل يُعدُّ هذا السبق والإخبار إعجازاً؟!