المبحث الثاني
كيفية التعامل مع تفسير السلف
إن من يُعنى بدراسة (الإعجاز العلمي) يلزمه أن يكون مدركاً لكيفية التعامل مع أقوال السلف المتفقة والمختلفة، ويكون عنده الأداة القادرة على التمييز بين الأقوال، والقادرة على الترجيح بينها إذا دعا إلى ذلك الحال.
وهذا الأصل يرتبط بأصول أخرى هي بالنسبة له مقدمات مهمة، وإلى أصول لاحقة هي كالتتمة، وبالجملة، فلا بدَّ لمن أراد أن يحمل اكتشافاً من تلك الاكتشافات المعاصرة على آية من الآيات؛ أن يكون ملمّاً بأصول التفسير، وإلا فإنه قد يحصل عنده خلل أو نقص في بيانه.
وإذا كان أهل الطب لا يرضون لأي واحد أن يكون طبيباً حتى يلم بأصول الطب ويدرسه دراسة وافية، وكذا أهل العلوم الأخرى؛ إذا كان ذلك كذلك، فأصول معرفة تفسير كلام الله أولى بذلك، فلا يحق لأي مسلم أن يتعرض للتفسير، وهو لا يملك أدواته، وهذه المسألة من الخطورة بمكان، وهي ـ أيضاً ـ من الغياب بمكان عند بعض من يكتبون في الإعجاز العلمي، فتراهم يلوون أعناق النصوص، ويحرفون كلام الله ليوافق ما يعرفونه من علومهم الدنيوية، والآية لا تدل على ما ذهبوا إليه.
وأعود بعد ذلك إلى أصل المسألة فأقول:
إن أي مفسر ـ كائناً من كان ـ إذا أقدم على التفسير وهو غير عالم بطريقة التعامل مع تفسير السلف حال الاتفاق وحال الاختلاف، فإنه سيقع في تفسيره خلل بسبب نقص علمه في هذا المجال، إلا أن يكون ناقلاً لا رأي له، وبهذا يكون خارجاً عن أن يكون مفسراً.
وسأذكر مثالاً يُحتذى في هذه المسألة من خلال ما ذكره بعض المعاصرين في بعض أمثلة الإعجاز العلمي.