بِخِلَافِ مَا إِذَا بَحَثَ مَثَلًا عَنْ أَحْوَالِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّ الْحَزَّازَةَ لَا تَزُولُ وَإِنْ أَظْهَرَ الْبَحْثُ أَنَّ أَحْوَالَهَا غَيْرُ حَمِيدَةٍ، فَهُمَا عَلَى هَذَا مُخْتَلِفَانِ. وَقَدْ يَتَّفِقَانِ فِي الْحُكْمِ إِذَا بَحَثَ عَنِ الْعُلَمَاءِ فَاسْتَوَتْ أَحْوَالُهُمْ عِنْدَهُ، لَمْ يَثْبُتْ لَهُ تَرْجِيحٌ لِأَحَدِهِمْ، فَيَكُونُ الْعَمَلُ الْمَأْمُورُ بِهِ مِنَ الِاجْتِنَابِ كَالْمَعْمُولِ بِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُخْبِرَةِ بِالرَّضَاعِ سَوَاءٌ، إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ. انْتَهَى مَعْنَى كَلَامِ الطَّبَرِيِّ.
وَقَدْ أَثْبَتَ فِي مَسْأَلَةِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْمُسْتَفْتِي أَنَّهُ غَيْرُ مُخَيَّرٍ، بَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ مَنِ الْتَبَسَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ فَلَمْ يَدْرِ أَحَلَالٌ هُوَ أَمْ حَرَامٌ؟ فَلَا خَلَاصَ لَهُ مِنَ الشُّبْهَةِ إِلَّا بِاتِّبَاعِ أَفْضَلِهَا وَالْعَمَلُ بِمَا أَفْتَى بِهِ. وَإِلَّا فَالتُّرْكُ. إِذْ لَا تَطْمَئِنُّ النَّفْسُ إِلَّا بِذَلِكَ حَسْبَمَا اقْتَضَتْهُ الْأَدِلَّةُ الْمُتَقَدِّمَةُ.
ثُمَّ يَبْقَى فِي هَذَا الْفَصْلِ الَّذِي فَرَغْنَا مِنْهُ إِشْكَالٌ عَلَى كُلِّ مَنِ اخْتَارَ اسْتِفْتَاءَ الْقَلْبِ مُطْلَقًا أَوْ بِقَيْدٍ، وَهُوَ الَّذِي رَآهُ الطَّبَرِيُّ. وَذَكِّ أَنَّ حَاصِلَ الْأَمْرِ يَقْتَضِي أَنَّ فَتَاوَى الْقُلُوبِ وَمَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النُّفُوسُ مُعْتَبَرٌ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَهُوَ التَّشْرِيعُ بِعَيْنِهِ، فَإِنَّ طُمَأْنِينَةَ النَّفْسِ الْقَلْبُ مُجَرَّدًا عَنِ الدَّلِيلِ، إِمَّا أَنْ تَكُونَ مُعْتَبَرَةً أَوْ غَيْرَ مُعْتَبَرَةٍ شَرْعًا، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُعْتَبَرَةً فَهُوَ خِلَافُ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ تِلْكَ الْأَخْبَارُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ بِتِلْكَ الْأَدِلَّةِ وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَبَرَةً فَقَدْ صَارَ ثَمَّ قِسْمٌ ثَالِثٌ غَيْرَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَهُوَ غَيْرُ مَا نَفَاهُ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَإِنْ قِيلَ: إِنَّهَا تُعْتَبَرُ فِي الْإِحْجَامِ دُونَ الْإِقْدَامِ. لَمْ تَخْرُجْ تِلْكَ عَنْ