الْمُسْلِمِينَ.
وَمِثَالُ [ذَلِكَ] مَا حَكَى الْغَزَالِيُّ عَنْ بَعْضِ أَكَابِرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى بَعْضِ السَّلَاطِينِ فَسَأَلَهُ عَنِ الْوِقَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، فَقَالَ: عَلَيْكَ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ. فَلَمَّا خَرَجَ رَاجَعَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ وَقَالُوا لَهُ: الْقَادِرُ عَلَى إِعْتَاقِ الرَّقَبَةِ كَيْفَ يُعْدَلُ بِهِ إِلَى الصَّوْمِ وَالصَّوْمُ وَظِيفَةُ الْمُعْسِرِينَ، وَهَذَا الْمَلِكُ يَمْلِكُ عَبِيدًا غَيْرَ مَحْصُورِينَ؟ فَقَالَ لَهُمْ: لَوْ قُلْتُ لَهُ عَلَيْكَ إِعْتَاقُ رَقَبَةٍ لَاسْتَحْقَرَ ذَلِكَ وَأَعْتَقَ عَبِيدًا مِرَارًا، فَلَا يَزْجُرُهُ إِعْتَاقُ الرَّقَبَةِ وَيَزْجُرُهُ صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ.
فَهَذَا الْمَعْنَى مُنَاسِبٌ، لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ، مَقْصُودُ الشَّرْعِ مِنْهَا الزَّجْرُ، وَالْمَلِكُ لَا يَزْجُرُهُ الْإِعْتَاقُ وَيَزْجُرُهُ الصِّيَامُ.
وَهَذِهِ الْفُتْيَا بَاطِلَةٌ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ بَيْنَ قَائِلَيْنِ: قَائِلٌ بِالتَّخْيِيرِ، وَقَائِلٌ بِالتَّرْتِيبِ، فَيُقَدِّمُ الْعِتْقَ عَلَى الصِّيَامِ، فَتَقْدِيمُ الصِّيَامِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْغَنِيِّ لَا قَائِلَ بِهِ.
عَلَى أَنَّهُ قَدْ جَاءَ عَنْ مَالِكٍ شَيْءٌ يُشْبِهُ هَذَا، لَكِنَّهُ عَلَى صَرِيحِ الْفِقْهِ.
قَالَ يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ: حَنَثَ الرَّشِيدُ فِي يَمِينٍ فَجَمَعَ الْعُلَمَاءَ فَأَجْمَعُوا أَنَّ عَلَيْهِ عِتْقَ رَقَبَةٍ. فَسَأَلَ مَالِكًا. فَقَالَ: صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. وَاتَّبَعَهُ عَلَى ذَلِكَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ مِنْ فُقَهَاءِ قُرْطُبَةَ.
حَكَى ابْنُ بِشْكُوَالَ أَنَّ الْحَكَمَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَرْسَلَ فِي الْفُقَهَاءِ وَشَاوَرَهُمْ فِي مَسْأَلَةٍ نَزَلَتْ بِهِ، فَذَكَرَ لَهُمْ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ عَمَدَ إِلَى إِحْدَى كَرَائِمِهِ وَوَطِئَهَا فِي رَمَضَانَ، فَأَفْتَوْا بِالْإِطْعَامِ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ سَاكِتٌ.