لِقِيَامِ رَمَضَانَ: نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ هَذِهِ ـ إِذْ لَا يُمْكِنُهُمْ رَدُّهَا، لِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَيْهَا.
وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الِاسْتِحْسَانِ؛ فَإِنَّهُ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمُتَقَدِّمُونَ رَاجِعٌ إِلَى الْحُكْمِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، وَالنَّافِي لَهُ لَا يَعُدُّ الِاسْتِحْسَانَ سَبَبًا؛ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْأَحْكَامِ أَلْبَتَّةَ، فَصَارَ كَالْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ إِذَا قِيلَ بِرَدِّهَا.
فَلَمَّا كَانَ هَذَا الْمَوْضِعُ مَزَلَّةَ قَدَمٍ، لِأَهْلِ الْبِدَعِ أَنْ يَسْتَدِلُّوا عَلَى بِدْعَتِهِمْ مِنْ جِهَتِهِ؛ كَانَ الْحَقُّ الْمُتَعَيَّنُ النَّظَرَ فِي مَنَاطِ الْغَلَطِ الْوَاقِعِ لِهَؤُلَاءِ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمَصَالِحَ الْمُرْسَلَةَ لَيْسَتْ مِنَ الْبِدَعِ فِي وِرْدٍ وَلَا صَدْرٍ، بِحَوْلِ اللَّهِ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
فَنَقُولُ:
الْمَعْنَى الْمُنَاسِبُ الَّذِي يُرْبَطُ بِهِ الْحُكْمُ لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَشْهَدَ الشَّرْعُ بِقَبُولِهِ، فَلَا إِشْكَالَ فِي صِحَّتِهِ، وَلَا خِلَافَ فِي إِعْمَالِهِ، وَإِلَّا كَانَ مُنَاقَضَةً لِلشَّرِيعَةِ، كَشَرِيعَةِ الْقِصَاصِ حِفْظًا لِلنُّفُوسِ وَالْأَطْرَافِ وَغَيْرِهَا.
وَالثَّانِي: مَا شَهِدَ الشَّرْعُ بِرَدِّهِ فَلَا سَبِيلَ إِلَى قَبُولِهِ، إِذِ الْمُنَاسَبَةُ لَا تَقْتَضِي الْحُكْمَ لِنَفْسِهَا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ مَذْهَبُ أَهْلِ التَّحْسِينِ الْعَقْلِيِّ، بَلْ إِذَا ظَهَرَ الْمَعْنَى وَفَهِمْنَا مِنَ الشَّرْعِ اعْتِبَارَهُ فِي اقْتِضَاءِ الْأَحْكَامِ، فَحِينَئِذٍ نَقْبَلُهُ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْمَصْلَحَةِ عِنْدَنَا مَا فُهِمَ رِعَايَتُهُ فِي حَقِّ الْخَلْقِ مِنْ جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَسْتَقِلُّ الْعَقْلُ بِدَرْكِهِ عَلَى حَالٍ، فَإِذَا لَمْ يَشْهَدِ الشَّرْعُ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ الْمَعْنَى، بَلْ [شَهِدَ] بِرَدِّهِ، كَانَ مَرْدُودًا بِاتِّفَاقِ