أَرْجُو أَنْ يَكُونَ كَتبُ هَذَا الْكِتَابِ الَّذِي وَضَعْتُ يَدِي فِيهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ؛ لِأَنِّي رَأَيْتُ بَابَ الْبِدَعِ فِي كَلَامِ الْعُلَمَاءِ مُغْفَلاً جِدًّا إِلَّا مِنَ النَّقْلِ الْجَلِيِّ؛ كَمَا نَقَلَ ابْنُ وَضَّاحٍ، أَوْ يُؤْتَى بِأَطْرَافٍ مِنَ الْكَلَامِ لَا يَشْفِي الْغَلِيلَ بِالتَّفَقُّهِ فِيهِ كَمَا يَنْبَغِي، ولم أجده عَلَى شِدَّةِ بَحْثِي عَنْهُ، إِلَّا مَا وَضَعَ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ الطَّرْطُوشِيُّ، وَهُوَ يَسِيرُ فِي جَنْبِ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِيهِ، وَإِلَّا مَا وَضَعَ النَّاسُ فِي الْفِرَقِ الثِّنْتَيْنِ وَالسَّبْعِينَ، وَهُوَ فَصْلٌ مِنْ فُصُولِ الْبَابِ وَجُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِهِ، فَأَخَذْتُ نَفْسِي بِالْعَنَاءِ فِيهِ، عَسَى أَنْ يَنْتَفِعَ واضعه، وقارئه، وَنَاشِرُهُ، وَكَاتِبُهُ، وَالْمُنْتَفِعُ بِهِ، وَجَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ، إِنَّهُ ولي ذلك ومُسْدِيه بسعة رحمته" (?).

انتهي كلامه رحمه الله تعالى.

ويمتاز كتاب الشاطبي من غيره من الكتب الأخرى التي ألفت في البدع بميزات عدة، أهمها:

1 - دراسته للآيات والأحاديث والآثار الواردة في معنى البدعة، والتحذير منها، والأمر بلزوم السنة دراسة تحليلية، قائمة على الاستنباط والدقة في الفهم، والتحقيق العلمي للمسائل التي يطرقها.

2 - الترتيب العلمي والتسلسلي لموضوعات الكتاب، مما يساعد القارئ على استيعاب موضوعاته، وفهمها.

3 - قوة الشاطبي العلمية، والعقلية، ورصانة أسلوبه، ودقة عباراته وألفاظه.

4 - شمولية الكتاب لموضوعه، وجمعه لأطراف القضية التي تصدَّى لها، فقد عرَّف البدعة، والمسائل المتعلقة بها، وأسبابها، وذم البدع، وبيَّن سوء منقلب أصحابها، وأن البدع كلها مذمومة، ثم بيَّن مأخذ أهل البدع في الاستدلال، وحكم البدع الحقيقية والإضافية، وبيَّن أن البدع ليست على مرتبة واحدة، وناقش مسألة: هل البدع تدخل في الأمور العادية أو هي خاصة بالأمور العبادية فقط، وعقد فصلاً مُهِمّاً عن الفرق بين البدع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015