وهذا الاحتجاج (?) إِلى اللَّعِبِ أَقرب مِنْهُ إِلى الْجَدِّ، وأَقرب مَا فِيهِ أَن أَحداً مِنَ الْعُلَمَاءِ لَا يُشْتَرَطُ فِي الدعاءِ أَن لَا يَلْحَنَ كَمَا يَشْتَرِط الإِخلاصَ وصدقَ التَّوَجُّه (?)، وعزمَ المسأَلة، وغيرَ ذَلِكَ مِنَ الشُّرُوطِ. وتعلُّمُ (?) اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ لإِصلاح الأَلفاظ فِي الدعاءِ ـ وإِن كَانَ الإِمامُ أَعرفَ بِهِ ـ؛ هُوَ كَسَائِرِ مَا يَحْتَاجُ إِليه الإِنسان مِنْ أَمر دِينِهِ. فإِن كَانَ الدُّعَاءُ مُسْتَحَبًّا، فالقراءَة وَاجِبَةٌ، وَالْفِقْهُ فِي الصَّلَاةِ كَذَلِكَ، فإِن كَانَ تعليمُ (?) الدُّعَاءِ إِثر الصَّلَاةِ مَطْلُوبًا، فَتَعْلِيمُ (?) فِقْهِ الصَّلَاةِ آكَدُ، فَكَانَ مِنْ حَقِّه أَن يَجْعَلَ ذَلِكَ مِنْ وَظَائِفِ آثار الصلوات (?).
فإِن قال (?) بموجبه في الحِزْبِ (?) الْمُتَعَارَفِ، فَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ تَجْتَثّ أَصله؛ لأَن السَّلَفَ الصَّالِحَ كَانُوا أَحقَّ بالسَّبْق إِلى فَضْلِهِ؛ لِجَمِيعِ مَا ذُكر فِيهِ مِنَ الْفَوَائِدِ، وَلِذَلِكَ قَالَ مالك بن أنس (?) فِيهَا: أَترى النَّاسَ الْيَوْمَ كَانُوا أَرغبَ فِي الْخَيْرِ مِمَّنْ مَضَى؟ وَهُوَ إِشارة إِلى الأَصل الْمَذْكُورِ، وَهُوَ أَن الْمَعْنَى المُقْتَضي للإِحداث ـ وَهُوَ الرَّغْبَةُ فِي الْخَيْرِ ـ كَانَ أَتمَّ فِي السَّلَفِ الصالح، وهم لم يفعلوه، فدل أَنَّهُ لَا يُفْعَل.
وأَما مَا ذُكِرَ مِنْ آداب (?) الدعاءِ: فكُلُّه مما لَا يتعيَّن لَهُ (?) إِثر الصَّلَاةِ، بِدَلِيلِ: أَن رسول الله صلّى اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علَّم مِنْهَا جُمْلَةً كَافِيَةً، وَلَمْ يُعَلِّم مِنْهَا شَيْئًا إِثر الصَّلَاةِ، وَلَا تَرَكَهُمْ دُونَ تَعْلِيمٍ ليأْخذوا ذَلِكَ مِنْهُ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ، أَو لِيَسْتَغْنُوا بِدُعَائِهِ (?) عَنْ تَعْلِيمِ ذَلِكَ، وَمَعَ أَن الْحَاضِرِينَ للدعاءِ لَا يَحْصُلُ لهم من الإِمام فِي ذَلِكَ كَبِيرُ شَيْءٍ، وإِن حَصَلَ فَلِمَنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْهُ دُونَ مَنْ بَعُدَ.