التعبُّدِيَّات (?) إِنما وَضْعُها (?) لِلشَّارِعِ، فَلَا يُقَالُ فِي صلاةٍ سادسةٍ ـ مَثَلًا ـ: إِنها عَلَى الإِباحة، فللمُكَلَّف وَضْعُهَا ـ عَلَى أَحد الْقَوْلَيْنِ ـ لِيَتَعَبَّدَ بِهَا لِلَّهِ؛ لأَنه بَاطِلٌ بإِطلاق، وَهُوَ أَصل كُلِّ مُبْتَدَعٍ يُرِيدُ أَن يَسْتَدْرِكَ عَلَى الشَّارِعِ. وَلَوْ سُلِّم أَنه مِنْ قَبِيلِ العاديَّات، أَو مِنْ قَبِيلِ مَا يُعْقَل مَعْنَاهُ، فَلَا يَصِحُّ الْعَمَلُ بِهِ أَيضاً؛ لأَن تركَ الْعَمَلِ بِهِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَمِيعِ عُمُرِهِ، وَتَرْكَ السَّلَفِ الصَّالِحِ لَهُ عَلَى تَوَالي أَزْمِنَتِهم قَدْ تقدَّم أَنه نصٌّ فِي التَّرْك، وإِجماعٌ مِنْ كُلِّ مَنْ تَرَك؛ لأَن عَمَلَ الإِجماع كنصِّه، كما أَشار إِليه مالك في كلامه (?).

وأَيضاً فما يُعَلِّل به (?) لَا يَصِحُّ التَّعْلِيلُ بِهِ، وَقَدْ أَتى الرَّادُّ بأَوجه مِنْهُ:

أَحدها: أَن الدعاءَ بِتِلْكَ الْهَيْئَةِ لِيُظْهِرَ وَجْهَ التَّشْرِيعِ فِي الدعاءِ، وأَنه بِآثَارِ الصَّلَوَاتِ مَطْلُوبٌ.

وَمَا قَالَهُ يَقْتَضِي أَن يَكُونَ سُنَّةً بِسَبَبِ الدَّوَامِ والإِظهار فِي الْجَمَاعَاتِ وَالْمَسَاجِدِ، وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ اتِّفَاقًا (?) مِنَّا وَمِنْهُ، فَانْقَلَبَ إِذاً وَجْهُ التَّشْرِيعِ.

وأَيضاً فإِن إِظهار التَّشْرِيعِ كَانَ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَولى، فَكَانَتْ تِلْكَ الْكَيْفِيَّةُ المتكلَّم فِيهَا أَولى بالإِظهار (?)، ولَمّا (?) لَمْ يَفْعَلْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ؛ دلَّ على الترك مَعَ وُجُودِ الْمَعْنَى المُقْتَضي، فَلَا يُمْكِنُ بَعْدَ زَمَانِهِ فِي تِلْكَ الْكَيْفِيَّةِ إِلا التَّرْكُ.

وَالثَّانِي: أَن الإِمام يَجْمَعُهُمْ عَلَى الدعاءِ لِيَكُونَ بِاجْتِمَاعِهِمْ أَقربَ إِلى الإِجابة.

وهذه العلة كانت موجودة (?) في زمانه عليه الصلاة والسلام؛ لأَنه لَا يَكُونُ أَحدٌ أَسرعَ إِجابةً لِدُعَائِهِ مِنْهُ؛ إِذ كَانَ مجابَ الدَّعْوَةِ بِلَا إِشكال، بِخِلَافِ غَيْرِهِ ـ وإِن عَظُم قَدْرُهُ فِي الدِّينِ ـ، فَلَا يَبْلُغُ رُتْبَتَهُ، فَهُوَ كَانَ أَحقَّ بأَن يَزِيدَهُمُ الدُّعَاءَ لَهُمْ خَمْسَ مَرَّاتٍ فِي الْيَوْمِ والليلة زيادة إِلى دعائهم لأَنفسهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015