فبين سبحانه وتعالى أن الناس كانوا أمة واحدة، فاختلفوا، وأن سبب الاختلاف بينهم هو البغي والظلم.
وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19)} [آل عمران: 19].
وبيَّن سبحانه وتعالى أن من أسباب البغي والظلم الْمُوقِعِ في الاختلاف: الحسد الذي يجعل الحاسد يرفض الحق وهو يعرفه، ويجادل عن الباطل، فقال سبحانه وتعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109)} [البقرة: 109].
ثم بيَّن أن فريقًا من الناس يعرفون سبيل الرشد ولا يتخذونه سبيلاً؛ استكباراً وعناداً، وهذا من الظلم والبغي، وإن يروا سبيل الغي والضلال يتخذوه سبيلاً، ولذلك صرفهم الله عن طريق الحق جزاءً وفاقاً، فقال سبحانه وتعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (146)} [الأعر اف: 146].
كما بيَّنْ الله عز وجل أن من سننه في خلقه أن يوقع بينهم العداوة والبغضاء إذا تركوا شيئاً من شرعه ولم يعملوا به، فقال سبحانه وتعالى عن النصارى: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (14)} [المائدة: 14].
وقد اختلفت هذه الأمة كما اختلف مَنْ قبلها من الأمم؛ مصداقاً لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لتتبعن سنن من كان قبلكم" (?)، وظهرت فيها الفرق التي أخبر