وَتَمَيَّزُوا بأَصوات، هِيَ إِلى الاعتداءِ أَقرب مِنْهَا إِلى الاقتداءِ، وَطَرِيقَتُهُمْ إِلى اتِّخَاذِهَا مَأْكَلَةً وَصِنَاعَةً أَقرب مِنْهَا إِلى اعْتِدَادِهَا قُرْبَةً وَطَاعَةً. انْتَهَى مَعْنَاهُ عَلَى اخْتِصَارِ أَكثر الشَّوَاهِدِ.

وَهِيَ دَلِيلٌ عَلَى أَن فَتْوَاهُ الْمُحْتَجَّ بِهَا لَيْسَ مَعْنَاهَا مَا رَامَ هؤلاءِ الْمُبْتَدَعَةُ، فإِنه سُئِلَ فِي هَذِهِ عَنْ فقراءِ الْوَقْتِ، فأَجاب بذمِّهم، وأَن حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَتَنَاوَلُ عَمَلَهُمْ. وَفِي الأُولى إِنَّمَا سُئِلَ عَنْ قوم يجتمعون لقراءَة كتاب الله (?)، أَو لِذِكْرِ اللَّهِ. وَهَذَا السُّؤَالُ يَصْدُقُ عَلَى قَوْمٍ يَجْتَمِعُونَ مَثَلًا فِي الْمَسْجِدِ، فَيَذْكُرُونَ اللَّهَ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي نَفْسِهِ، أَو يَتْلُو الْقُرْآنَ لِنَفْسَهُ (?)، كَمَا يَصْدُقُ عَلَى مَجَالِسِ المعلِّمين والمتعلِّمين، وَمَا أَشبه ذَلِكَ مِمَّا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عليه، فلا يَسَعُهُ ولا غيره (?) مِنَ العلماءِ إِلا أَن يَذْكُرَ مَحَاسِنَ ذَلِكَ والثواب عليه، فلما سئل عن أَهل الابتداع (?) فِي الذِّكْرِ وَالتِّلَاوَةِ، بَيَّن مَا يَنْبَغِي أَن يَعْتَمِدَ عَلَيْهِ الْمُوَفَّقُ، وَلَا تَوْفِيقَ إِلا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ (?).

وأَما مَا ذَكَرَهُ فِي الإِنشادات الشِّعْرِيَّةِ، فَجَائِزٌ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُنْشِدَ الشِّعْرَ الَّذِي لَا رَفَثَ فِيهِ، وَلَا يذكِّر بِمَعْصِيَةٍ، وَأَنْ يَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِهِ إِذا أُنْشِدَ، عَلَى الْحَدِّ الَّذِي كَانَ يُنْشَدُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَو عَمِلَ بِهِ (?) الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَمَنْ يُقتدى بِهِ مِنَ العلماءِ؛ وَذَلِكَ أَنه كَانَ يُنشد ويُسمع لِفَوَائِدَ (?)، مِنْهَا: الْمُنَافَحَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم، وعن الإسلام وأَهله، فكانوا في زمانه يعارضون به الكفار في أشعارهم التي يذمون فيها الإسلام وأهله، ويمدحون بها الكفر وَأَهْلِهِ (?)، وَلِذَلِكَ كَانَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ نُصب لَهُ مِنْبَرٌ فِي الْمَسْجِدِ يُنْشِدُ عَلَيْهِ إِذا وَفَدَتِ الْوُفُودُ؛ حَتَّى يقولوا:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015