ذَلِكَ الذِّكْرَ مُدَاوَلَةً، طَائِفَةٌ فِي جِهَةٍ، وَطَائِفَةٌ فِي جِهَةٍ أُخرى، عَلَى صَوْتٍ وَاحِدٍ يُشْبِهُ الغناءَ، وَيَزْعُمُونَ أَن هَذَا مِنْ مَجَالِسِ الذِّكْرِ الْمَنْدُوبِ إِليها، وَكَذَبُوا! فإِنه لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ أَولى بإِدراكه وَفَهْمِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ، وإِلا فأَين فِي الْكِتَابِ أَوْ فِي السنة الاجتماع للذكر على صوت واحد جهراً عَالِيًا؟ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً (?) إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (?). وَالْمُعْتَدُونَ فِي التَّفْسِيرِ: هُمُ الرَّافِعُونَ أَصْوَاتَهُمْ بالدعاءِ.

وَعَنْ أَبي مُوسَى قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَجْهَرُونَ بِالتَّكْبِيرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلّم: "أيها الناس (?)! أَربعوا على أَنفسكم، إنكم ليس تَدْعُونَ أَصمَّ وَلَا غَائِبًا، إِنكم تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا، وَهُوَ مَعَكُمْ" (?). وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ تَمَامِ تَفْسِيرِ الْآيَةِ. وَلَمْ يَكُونُوا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يُكَبِّرُونَ عَلَى صَوْتٍ وَاحِدٍ، وَلَكِنَّهُ نَهَاهُمْ عَنْ رَفْعِ الصَّوْتِ لِيَكُونُوا مُمْتَثِلِينَ لِلْآيَةِ. وَقَدْ جاءَ عَنِ السَّلَفِ أَيضاً النَّهْيُ عَنِ الِاجْتِمَاعِ عَلَى الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ بِالْهَيْئَةِ الَّتِي يَجْتَمِعُ عَلَيْهَا هؤلاءِ الْمُبْتَدِعُونَ (?)، وجاءَ عَنْهُمُ النَّهْيُ عَنِ الْمَسَاجِدِ المتَّخذة لذلك، وهي الرُّبُطُ التي يشبِّهونها (?) بالصُّفَّة. ذَكَرَ مِنْ ذَلِكَ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ وضَّاح (?) وَغَيْرُهُمَا مَا فِيهِ كِفَايَةٌ لِمَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ.

فَالْحَاصِلُ مِنْ هؤلاءِ أَنهم حسَّنوا الظَّنَّ بأنفسهم (?) فيما هم عليه (?)، وأَساؤوا الظَّنَّ بِالسَّلَفِ الصَّالِحِ أَهل الْعَمَلِ (?) الرَّاجِحِ الصَّرِيحِ (?)، وأَهل الدين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015