فقد بَيَّنَ الله في هذه الآيات وأمثالها طبيعةَ ابن آدم في الالتجاء إلى الله في الشَّدائد ونسيانه في الرَّخاء، كما بيَّن في آيات أخر مثالاً واقعيًّا من تلك الطَّبيعة البشريَّة فذكر حالة الذين تضطرب بهم السُّفُن وتتلاطم بهم الأمواج، وأنَّهم يخلصون في هذه الحالة؛ قال تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا} [الإسراء: 67]، وقال تعالى: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ} [لقمان: 32].
والذي ينبغي أن يكون عليه المسلم أن يُلازمَ الدُّعاءَ في الرَّخاء والشِّدَّة؛ وذلك أسرعُ في إجابة دعائه، كما ورد في حديث ابن عبَّاس المشهور: «تعرَّف إلى الله في الرَّخاء يعرفك في الشِّدَّة» (?).
والمرادُ بالمعرفة المطلوبة من العبد في الحديث هي "المعرفة الخاصَّة التي تقتضي ميل القلب إلى الله بالكلِّيَّة والانقطاع إليه والأنس به والطّمأنينة بذكره والحياء منه والهيبة له" (?)، ومن المعرفة الخاصَّة التي تقتضي محبَّته لعبده وتقريبه إليه وإجابته لدعائه وإنجاءه من الشَّدائد؛ وهي المشار إليها بقوله - صلى الله عليه وسلم - فيما يحكي عن ربِّه: «ولا يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده