الشعر، ولا ضرورة لارتكابه أو تخصيص بعد النسيان بالماضي، ولا اختصاص له هذا. قال الشيخ عبد القاهر في المسائل المشكلة: قال الشيخ أبو على الفارسي: في هذا البيت تقصير، لأن الغرض في هذا النحو نفي المثل، وأن يقال: هو امرؤ، وأنه لا يكون، فإذا جعل سبب فقد مثله بخل الزمان به فقد أخل بالغرض، وجوز وجود المثل، ولم يمنعه من حيث هو، بل من حيث بخل الزمان بأن يجود مثله، وفيه بحث، لأن تجويز المثل وأن ينافي أن مثله لا يكون لا ينافي أنه يغربل غرة المثل، وقلته يلائم بخل الزمان به.

(وقول أبي الطيب [أعدى الزّمان سخاؤه]) يقال: أعدى الأمر جاوز غيره إليه، فالمعنى: جاوزه سخاه إلى الزمان [فسخا به ولقد يكون به الزّمان بخيلا] لا يخفى أن هذا المصراع مأخوذ من المصراع الثاني لأبي تمام، وان كان بينهما فرق بأن أبا تمام جعل البخل متعلقا بمثله صريحا، وأبا الطيب بنفسه، لأن هذا المقدار من التفاوت لا ينافي الأخذ، ولم يشترط اتحاد المأخوذ والمأخوذ منه في المعنى من كل وجه، كما توهمه البعض، وأن مصراع أبي الطيب خال عن التقصير الذي أثبته أبو علي في مصراع أبي تمام، فلو تم التقصير لم يكن مصراع أبي الطيب دونه.

ومعنى البيت على ما ذكره ابن جني: أنه تعلم الزمان من سخائه فسخا به وأخرجه من العدم إلى الوجود، ولولا سخاؤه الذي استفاده منه لبخل به على الدنيا، واستبقاه لنفسه، وزيفه ابن فورجه وقال: هذا تأويل فاسد، وغرض بعيد، لأن سخاء من لم يوجد لا يوصف بالعدوى، فالمعنى أنه أعدى سخاء بعد وجوده الزمان، فسخا به علىّ وأسعدني بوصاله.

هذا وعلى التقديرين ففيه وصمة وضع المضارع مقام الماضي، لأنه قصد أن الزمان كان به بخيلا فعدل إلى المضارع للوزن كذا ذكره المصنف.

وأنا أقول: الأظهر أن المعنى أنه أعدى الزمان سخاءه فسخا بسبب عدوى سخائه فضمير به للعدوى، والباء للسببية، وليست صلة للسخاء، أي فسخا بما سخا به بسبب العدوى، ولقد يكون بعده الزمان به بخيلا، إذ ليس سخاء بعده يسري إلى الزمان، فيصير سخيا فيسخو به.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015