ذكره فضل بيت ابن نباته لأن في بيت الآخر نهاية المبالغة في الشجاعة، حيث لم يقدر الخصماء مع المواجهة على منع سمر القنا من أعينهم، ودفع البيض عن حواجبهم، وتكرر الطعن والضرب على الأعين والحواجب اللاتي هن أبعد من وقوع الضرب عليهن، كيف في بيت ابن نباته استطراف في خلق الأعين والحواجب في الظهور على خلاف ما هو المعتاد، وأنهم شاهدوا مهابتهم حين الفرار كما شاهدوا حين الإقدام أيضا.

(وإن كان) الثاني (دونه) أي الأول لاختصاص الأول بفضيلة ترك التعليل لانسياق الذهن إليه من التعليل الأول وفيه ما عرفت (فهو) أي الأخذ أو الثاني (مذموم) مردود، وإنما جعل ما هو مذموم ثانيا وبادي النظر يقتضي أن يجعل ما هو أبعد من الذم ثانيا لأنه أقرب إلى الممدوح لنظر ثان لا يهمله، إلا بتوان، وهو أن الأبعد من الذم متوسط بين الممدوح والمذموم، والمتوسط من حيث هو متوسط متأخر عن الطرفين، كقول أبي تمام في مرثية محمد بن حميد كرويد، وكان قد استشهد في بعض غزواته: [هيهات] أي بعد المرثي وطال المسافة بيننا وبينه، لأنه وصل إلى الجنة وكم بينها وبين الدنيا الدنية، واللفظ خبر والمعنى على التحسر، فزاد في التحسر بأنه ليس لنا رجاء ما يتسلى به بعد، فقال [(لا يأتي الزّمان بمثله)] ليتسلى به وعلّل عدم إتيان الزمان بمثله بعلة طبيعية للزمان لا تنفك عنه وهو قوله [إنّ الزمان بمثله لبخيل] وبلغ فيه غاية التأكيد من ذكر إن واللام واسمية الجملة، وقد أفاد البخل به بطريق الأولى، لأنه إذا كان بخيلا بمثله فبخله به أولى، وقد أشار بإفادة استمرار بخل الزمان أنه لم يأت بمثله قبله، وأن الإتيان به كان خارق العادة.

والشارح جعل ضمير هيهات إما للنسيان المذكور قبله في البيت السابق، وهو قوله:

أنسى أبا نصر نسيت إذن يدي ... من حيث ينتصر الفتى وينيل (?)

وإما لأن يأتي الزمان بمثله بدليل ما بعده، فهو إضمار قبل الذكر لضرورة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015