من الأَنعام والطَّير والوحش، عَهِدَ إِليه عَهْداً أَمره فيه، ونهاه وحرَّم عليه وأَحلَّ له، فقبله، ولم يزل عاملاً به حتَّى حضرتْه الوفاة، فلمَّا حضرتْهُ الوفاة، سأَل الله جلَّ وعَلا أَن يُعْلِمه مَنْ يَسْتخلِفُ بعدَه، ويُقلِّدُه من الأَمر ما قلَّده، فأَمره أَن يَعْرِض ذلك على السَّموات والأَرض والجِبال بالشَّرْط الذي أَخِذَ عليه من الثَّواب إِنْ أَطاع، ومن الغضب إِن عصى، فأَبت السَّموات والأَرض والجِبال ذلك؛ إِشفاقاً من معصية الله جلَّ وعلا وغضبِه، ثمَّ أَمره أَن يَعْرِض ذلك على ولده ففعل، فقبله ولدُم، ولم يتهيَّبْ منه ما تهيَّبت السَّموات والأَرض والجِبال، فقال الله عزّ وجلّ: إِنَّه كانَ ظَلُوماً جَهُولاً، أَي بعاقبة ما تقلَّد لربّه جلَّ وعَلا، وقال بعد: ليُعَذِّبَ اللهُ المُنَافِقِينَ والمُنَافِقَاتِ والمُشْرِكِين والمُشْرِكَاتِ، أَي عرضنا ذلك عليه ليتبيَّن إِيمانُ المؤمن فيتوبَ الله عليه، ونفاقُ المنافق فيعاقبَه الله عزّ وجلّ: وكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً.
وقال آخرون: محال أَن يكون الله جلَّ وعلا عرضَ الأَمانة على السَّموات في
ذاتها، لأَنَّها ممَّا لا يُكلَّفُ عملاً، ولا يَعْقل ثواباً، وإِنَّما المعنى: إِنَّا عرضنا الأَمانة على أَهل السَّموات وأَهل الأَرض وأَهل الجبال فأَبَوْا أَن يحملوها،