قال أَبو بكر: وقوله عندنا محال، لأَنَّ العرب لم تزل تستقبح اللَّحْن من النساء كما تستقبحه من الرجال، ويَسْتملحون البارعَ من كلام النساء كما يستملحونه من الرجال، الدليل على هذا قول ذي الرُّمَّة يَصِفُ امرأَة:

لَها بَشَرٌ مِثْلُ الحريرِ ومَنْطِقٌ ... رَخيمُ الحواشي لا هُراءٌ ولا نَزْرُ

فوصفَها بحسْن الكلام؛ واللَّحْن لا يكون عند العرب حُسْناً إِذا كان بتأويل الخطأ، لأَنَّه يقلب المعنى، ويُفْسِد التأويل الَّذي يقصِد له المتكلّم. وقالَ قيس بن الخَطيم يذكر امرأَة أَيْضاً:

ولا يَغِثُّ الحديث ما نَطَقَتْ ... وهوَ بِفيها ذو لَذَّةٍ طَرِفُ

تَخْزُنُهُ وهوَ مُشْتَهًى حَسَنٌ ... وهوَ إِذا ما تَكَلَّمَتْ أُنُفُ

فلو كانت هذه المرأَة تلحن وتفسد أَلفاظها كانت عند هذا الشَّاعِر الفصيح غَثَّةَ الكلام، ولم تستحقّ عنده وصفاً بجودة المنطق وحلاوة الكلام. وقالَ كُثَيِّر:

مِنَ الخَفِراتِ البيضِ وَدَّ جَليسُها ... إِذا ما انقَضَتْ أُحْدوثَةٌ لَوْ تُعيدُها

فَخَبَّر بهذا لصحّة أَلفاظها. ولم تزل العرب تصِف النّساء بحسن المنطق، وتستملِح منهنَّ روايةَ الشعر، وأَن تَقْرِض

طور بواسطة نورين ميديا © 2015