يوجبُ أكلكَ أو يتبعه أكلُكَ، وكذلك قوله: ما تدنو من الأسدِ فيأكلُكَ، هو مثل لا تدن, لا فرقَ بينهما, وفي الجزاء قد جعل نفي الدنو موجبًا للأكلِ.
واعلَمْ: أنَّ كل نفي في معنى تحقيق للإِيجاب بالفاء نحو: ما زال، ولَم يزلْ, لا تقول: ما زالَ زيدٌ قائمًا فأعطيكَ, وإنما صار النفي في معنى الإِيجاب من أجلِ أنَّ قولهم: زالَ بغير ذكر ما في معنى النفي؛ لأنك تريدُ عدم الخبرِ فكأنكَ لو قلت: زالَ زيدٌ قائمًا لكان المعنى زالَ قيامُه, فهو ضد كان زيدٌ قائمًا وكانَ وأَخواتُها إنما الفائدة في أخبارها والإِيجابُ والنفي يقع على الأخبار, فلما كان زالَ بمعنى: ما كانَ ثم أدخلتْ "ما" صار إيجابًا؛ لأنَّ نفيَ النفي إيجابٌ؛ فلذلك لم يجزْ أن يجابَ بالفاءِ, وقوم يجيزونَ: أنت غيرُ قائمٍ فَتأتيكَ, قال أبو بكر: وهذا عندي لا يجوز؛ لأنَّا إنما نَعطف المنصوب على مصدر يدلُّ عليه الفعلُ، فيكون حرف النفي منفصلًا وغير اسمٍ مضافٍ وليست بحرفٍ فتقول: ما قامَ زيدٌ فيحسنْ إلاّ حُمِدَ وما قامَ فيأكل إلا طعامَهُ، قال الشاعر:
ومَا قَام مِنَّا قَائمٌ في نَدِيِّنَا ... فَيَنْطِقَ إلا بالَّتِي هِىَ أَعْرَفُ1
تقول: ألا سيفٌ فأكونَ أَولَ مقاتلٍ، وليتَ لي مالًا فأعينَك. وقوله: {يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ} 2، كانَ حمزةُ3 ينصبُ؛ لأنه اعتبر قراءة ابن مسعود