فإن "الأصل" له أهمية كبيرة في نشأة المذاهب الأخرى أيضاً. فـ "الأسدية" التي هي أساس المدوَّنة التي تعتبر المصدر الأساسي للمذهب المالكي قد ألفها أسد بن الفرات (ت. 213) الذي تتلمذ على الشيباني، كما تتلمذ الإمام الشافعي (ت. 204) على الشيباني، واستفاد الإمام أحمد بن حنبل (ت. 241) في المسائل الدقيقة "من كتب محمد بن الحسن" على حد تعبيره. وإنه لنقص كبير أن لا ينشر الأصل الذي له هذه الأهمية في تطور التفكير الفقهي حتى يومنا هذا. ومقصدنا الأولي في عملنا هذا هو نشر هذا الكتاب محققاً وتقديمه لعالم المعرفة بالاعتماد على أوثق نسخه المخطوطة التي وصلت إلى اليوم. ولتحقيق هذا المقصد فقد درسنا نسخاً كثيرة للأصل موجودة في تركيا ومصر وغيرها، وتبين لنا أن الأصل قد وصل إلى يومنا هذا على وجه شبه كامل. وقد قمنا باختيار أقدم وأصح النسخ من بين الموجود وحققنا الكتاب بمقارنة هذه النسخ. في حين كان يجري العمل في هذا المضمار فقد قمنا بكتابة مقدمة للكتاب تتناول التعريف بالأصل ومحاولة الوقوف على المخطوط الأساسية للفكر الأصولي المتضمَّن في الأصل.
يعرف هذا الكتاب باسم الأصل أو كتاب الأصل وباسم المبسوط. وهناك شك في تسمية المؤلف لكتابه بأحد هذين الاسمين. والسبب في ذلك أن الأصل في البداية كان قد ألف كل كتاب منه على حدة ككتاب مستقل. لكننا نرى اعتباراً من القرن الرابع الهجري استعمال اسمي الأصل والمبسوط في التراث الفقهي. ونسبة الأصل إلى مؤلفه مقطوع بها. فإلى جانب رواية الكتاب عن مؤلفه على وجه الشهرة فإن لسان الكتاب وأسلوبه والمصطلحات المستعملة فيه واقتباسات الكتب الأخرى منه تدل على ذلك. ومع وجود النقاش في نسبة بعض الكتب الموجودة في مخطوطات الأصل إلى الشيباني فإنه لا يوجد دليل كاف لما يوجب الشك في صحة نسبتها إليه. توجد في الأصل بعض العبارات القليلة التي توهم في الوهلة الأولى أن بعض الآراء الموجودة قيس من كلام تلاميذ الشيباني مثل "هذا قياس قول محمد" ونحو ذلك؛ إلا أن استعمال الشيباني لعبارات مثل "قياس قولنا" وقرائن أخرى تدل على أنه من الممكن أن تكون العبارة السابقة وأمثالها من كلام الشيباني