لدى النظر في تاريخ الفقه فإن القرن الثاني الهجري يشكل مرحلة زمنية هامة من حيث نشأة المذاهب وأصول الفقه. لقد عاش مؤسسو المذهب الحنفي والمالكي والشافعي في هذه الفترة. من المعلوم أن الإمام أبا حنيفة (ت. 150) بالرغم من دوره التأسيسي لم يؤلف كتاباً بنفسه، وإنما وضع تلاميذه المصادر الأساسية للمذهب بتقييد آراء الإمام التي تلقوها منه. وأهم شخصية في هذا المجال هو محمد بن الحسن الشيباني (ت. 189). جمع الشيباني آراء أبي حنيفة الذي درس عليه أربع أو خمس سنوات وآراء أبي يوسف (ت. 182) الذي واظب على دروسه بعد وفاة أبي حنيفة، وضم إلى ذلك آراءه، فظهر بذلك إلى الوجود كتب "ظاهر الرواية" التي تعرف بأنها المصادر الأم للمذهب الحنفي والتي نقلت على وجه الشهرة أو التواتر. يعتبر "الأصل" كاسمه أصلاً وأساساً لكتب ظاهر الرواية الأخرى لكونه ألف أولاً ولكبر حجمه الذي يصل إلى 2260 ورقة. وفي الحقيقة فإن الأصل حصيلة جهد جماعي يجمع بين طياته آراء واجتهادات الأئمة المجتهدين الثلاثة أبي حنيفة وأبي يوسف والشيباني. وقد استطاع الشيباني بحكم كونه أشب الأئمة أن يجمع آراءهم في هذا الكتاب، ويؤلف كتب المذهب الأخرى، وتمكن من نشر المذهب عن طريق تدريس هذه الكتب لتلاميذه. ومع أن تلاميذ الإمام أبي حنيفة الاَخرين مثل أبي يوسف والحسن بن زياد (ت. 254) قد ألفوا كتباً في الفقه إلا أن علماء المذهب قد اتخذوا كتب الشيباني أساساً، واعتبروا الكتب الأخرى في درجة تالية. من ناحية أخرى