وكثر الناس عليه، وإذا حدث عن غير مالك لم يأته إلا النفير (?)؛ فقال لهم: "لو أراد أحد أن يعيبكم بأكثر مما تفعلون ما قدر عليه؛ إذا حدثتكم عن أصحابكم فإنما يأتيني النفير أعرف فيكم الكراهة، وإذا حدثتكم عن مالك امتلأ علي الموضع" (?).

قال مجاشع بن يوسف: "كنت بالمدينة عند مالك وهو يفتي الناس، فدخل عليه محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة وهو حَدَث، فقال: ما تقول في جنب لا يجد الماء إلا في المسجد؟ فقال مالك: لا يدخل الجنب المسجد. قال: فكيف يصنع وقد حضرت الصلاة وهو يرى الماء؟ قال: فجعل مالك يكرر: لا يدخل الجنب المسجد. فلما أكثر عليه قال له مالك: فما تقول أنت في هذا؟ قال: يتيمم ويدخل فيأخذ الماء من المسجد ويخرج فيغتسل. قال: من أين أنت؟ قال: من أهل هذه، وأشار إلى الأرض. فقال: ما من أهل المدينة أحد لا أعرفه يُعرف. فقال: ما أكثر من لا تعرف. ثم نهض. قالوا لمالك: هذا محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة. فقال مالك: محمد بن الحسن كيف يكذب وقد ذكر أنه من أهل المدينة؟ قالوا: إنما قال: من أهل هذه، وأشار إلى الأرض. قال: هذا أشد علي من ذاك" (?).

وعلاقة الإمام محمد بالإمام مالك قد جعلته يسمع حديث وفقه أهل المدينة منه، وكان الطابع الغالب على هذه العلاقة التعرف على قول المخالف حتى يتسنى الرد عليه. وهو ما صنعه الإمام محمد في روايته للموطأ وفي كتابه الحجة على أهل المدينة. لكنه تأثر أيضاً ببعض أقوال أهل المدينة وأخذ بها مع محافظته على أصول فقه أهل الكوفة وعلى رأسهم أبو حنيفة. ويلاحظ أن الشافعي قد فعل نظير ذلك مع محمد بن الحسن، حيث تعلم منه فقه أهل الكوفة والعراق، لكنه لم يسلك مذهبهم، وإنما رد عليهم في كثير من المواضع؛ ومع ذلك فقد استفاد من محمد بن الحسن في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015