بقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ}، فهذا من الوطء، ثم قال: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}، ثم قال: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}.
أي الكف عن هاتين الشهوتين إلى زمان الليل فجعل هذين هو المقصود بالصوم في الكف فثبت نصاً ومعقولاً أن ركن الصوم هو الكف عن قضاء هاتين الشهوتين، وفعل كل واحد منهما تفويت لركن الصوم، فإذا وجبت الكفارة في أحدهما وجبت في الآخر.
يدل عليه: أن الجناية كملت في كل واحد من الفعلين فإن كمال الجناية متفق عليه في الوطء من حيث أنه جناية بتفويت ركن الصوم وهذا المعنى بعينه موجود في الأكل والشرب فتكمل الجناية أيضاً، وإذا كملت الجناية وجبت الكفارة.
قالوا: بل جانب الأكل والشرب أرجح، لأن تأدى الصوم بترك الأكل والشرب فوق تأديه بترك الوطء لما ذكرتم أن الصوم اختص بزمان الأكل والشرب عادة ولم يختص بزمان الوطء عادة، ولأن الصوم عبادة صبر، والصبر عن الأكل والشرب أشق من الصبر عن الوطء، فإن الإنسان يصبر عن الوطء دهراً ولا يصبر عن الأكل والشرب يومين، وإذا كان أشق فيكون الثواب بالصبر عنه أكثر وعلى مقابلته يكون العقاب بالإقدام عليه أكثر، لأن الثواب مقابل العقاب بدليل قوله تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَاتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ}، وقال تعالى: