ثم الدليل على أنه بالأكل والشرب تارك الصوم، أن حقيقة الصوم هو الكف عن الجنس الأكل والشرب فحسب، لأن الصوم عبادة كف عن قضاء شهوة معتاد فعلها، لأن وصف الابتلاء وصف لازم للعبادة لا يجوز أن تخلو عنه بحال، وإنما يتحقق الابتلاء بالخطاب بالكف عن قضاء شهوة مألوفة معتادة، فأما ترك غير المألوف والمعتاد فيه ابتلاء فيه، فإنه سهل تركه والابتلاء إنما يوجد بترك ما يشق تركه، كما يوجد بفعل ما يشق فعله، وإذا ثبت هذا الأصل فنقول:
شهوة البطن في الأكل والشرب شهوة مألوفة معتادة في زمان الصوم وهو النهار فيوجد معنى العبادة في الخطاب بالكف عن قضاء هذه الشهوة، والصوم عبادة كف عن قضاء الشهوة فإذا وجد معنى العبادة في هذا الكف صح.
قولنا: ((إن الكف عبادة كف عن قضاء هذه الشهوة فإذا أقدم عليه فيكون تارك فعل الصوم، لأن الصوم هو نفس الكف فإذا لم يكف فقد تركه، وترك الصوم لا يوجب الكفارة كما في الابتداء.
فأما الوطء فهو محظور الصوم وفعله بمواقعة/ محظورة فيه وتركه اجتناب محظور بسبب عبادة، لا أنه نفس العبادة، لما بينا أن الصوم عبادة كف عن قضاء الشهوة فيقتضي الكف عن شهوة معتادة مألوفة ليوجد معنى الابتلاء الذي هو وصف العبادة على سبيل اللزوم، والوطء بالنهار غير المعتاد ولا مألوف، لأنه وقت الاشتغال بالأعمال والتصرفات، ولا يوجد ابتلاء في الخطاب بالكف عنه في زمان النهار فلم يصح أن تكون نفسه عبادة، نعم، يجوز أن يكون محظور الصوم كما يكون محظور الحج، ومحظور الاعتكاف وإن كانت حقيقة الاعتكاف بغيره من اللبث في المسجد، والأفعال المعهودة المعروفة، لكن كان الوطء محظور العبادتين،