قلنا: وجهة التجارة دون جهة اللبس والأكل والشرب في الدواب والثياب، لأن قوام الحياة يتعلق بعين هذه الأشياء.
وأما التجارة فلا يتعلق قوام الحياة بها، إنما هي طريق التوصل إلى ما يتعلق به القوام فيكون دون الأول قطعاً، ومع ذلك ينصرف إليها بالصرف، وعلى أن جهة التحلي والتزين جهة مقصودة مطلوبة بدليل قوله تعالى: {واَلْخَيْلَ وَالبِغَالَ وَالحَمِير لِتَرْكَبُوهَا وَزِيِنَةً}.
فقد أخبر أنه خلقهما لهذين وجعلهما بمنزلة واحدة، ولأنه تعالى خلق الجواهر سوى الفضة والذهب في الابتداء للتحلي والتزين وإن قبل الانصراف عنه على غيره مثل ما خلق الذهب والفضة في الابتداء للتجارة، وقبل الانصراف إلى غيره، فاستويا منفعة التجارة ومنفعة التزين من هذا الوجه، لأنه ما يفوته الإنسان باختياره لا يفرق بين أن يفوته إلى شيء مثله أو فوقه أو دونه مثل الاعتياض عن المالية في الأشياء يجوز أن ينقل إلى ما هو مثله أو فوقه أو دونه.
أما المسائل التي تعلقوا بها فنقول:
إذا عرف الأصل الذي ذكرنا سهل التخريج عليها، لأن جهة التجارة إنما تفوت وتزول بفعل محقق للصرف والإزالة، وذلك لا يوجد إلا بعد اتخاذه حلياً بالصنعة المعروفة، ولا يوجد هذا إلا بالسبك ولا بإعداده للنفقة، ونية الإنفاق لا يلتفت إليها، لأنه لم يكن للتجارة بالنية حتى تفوت بنية أخرى، وإنما كان ببقائه على أصل الخلقة من غير أن يوجد عارض صنعة مغيرة، وفي الذهب والفضة المضروبة إن وجد عارض صنعة، فإنما وجد عارض صنعة محققة لجهة التجارة لا عارض صنعة مغيرة مفوتة بخلاف صنعة الحلي على ما سبق.