والأمر محتمل، وقد اختلف في ذلك، فمن ذهب إلى أنه يجوز، فحجته أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قد ثبت صدقه، والأصل فيما جاءنا به عن اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- فلا فرق إذا وردت آية عامة بَيْن أن يُبَيِّن لنا أنه أريد بها بعض الأعيان دون بعض، وبين أن يُبَيِّنَ لنا أنه أريد بها زمان دون زمان لأن هذا تخصيص الأعيان، وهذا تخصيص الأزمان، فإذا جاز أن يخص النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ببيانه الأعيان باتِّفَاق جاز أن يخص النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الأزمان قياسًا عليه مثله، ومن امتنع من ذلك فعلى وجهين.
أحدهما: أنه لم توجد سُنَّة نسخت قرآنًا.
والوجه الآخر: لا يجوز أن يوجد، واستدل يقول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: الآية 106].
يريد آيَةً خيرًا منها؛ لأن قائلًا لو قال لغيره: ما آخذ منك ثوبًا إلا أعطيك خيرًا منه، يريد ثوبًا خيرًا، لا ثوبًا مثله، هذا مفهوم من كلام العرب، وأخبر اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- أنه يأتي بخير منها أو مثلها، فلو كان يجوز أن يأتي بغيرها مما ليس بقرآن لذكره، واللَّه أعلم.
الذي يدلّ عليه مذهب مالك -رحمه اللَّه- أن الزيادة على النَّص لا تكون نسخًا، بل تكون زيادة حكم آخرٍ والمخالفون من أهل العراق، قالوا: الزيادة على النص نسخ.
فيقال لهم: إِذا كان أصلكم الانتزاع من دليل الخطاب، وكان قول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: الآية 2] يتضمن معنيين:
أحدهما: أن الزَّانِي يجلد مائة.
والآخر: أن ما عدا المائة على ما كان عليه في الأصل، فإذا قالوا: نعم، ولا بد من ذلك، قيل لهم: فإذا كانت المائة حكمها باقٍ بحاله، وما عداها حكمه حكم المائة قبل ورود السمع بوجوبها، ووجدنا المائة يؤثر النفي فيها شيئًا، لا بأن أبطلها ولا أبطل شيئًا منها، وكان ما عداها لا يصحّ أن يكون منسوخًا، كما لا يكون