قال القَاضي: فهذا سبيله أن ينظر، فإن كان من الكتب التي قد اشتهر ذكرها مثل "الموطَّأ" لمالك، و"جامع الثوري"، وكتب الرَّبِيعِ، جاز أن يعزى ذلك للمترجم عنه إذا كان الكتاب صحيحًا مقروءًا على العلماء معارضًا بكتبهم، وإن كان من الكتب التي لم تشتهر، ولم ينشر ذكرها لم يجز ذلك حتى يروي ما فيه عمن ينسب إليه بروايات الثقات عنه، واللَّه أعلم.
مذهب مالك -رحمه اللَّه- إذا كان الفقيه عربيَّ اللسان ولا يحسن بالفارسية أو غيرها من الألسن، وكان المفتي عجميًّا لا يحسن بالعربية، فجاء رجل يحسن لسان العرب والعجم، وهو عامي فترجم للفقيه عن الأعجميّ ما قاله، وترجم عن الفقيه للأعجمي ما قاله، وأفتاه به، فيجوز ذلك، ويصير طريقه طريق الخبر، ويجب أن يكون الترجمان عربيًّا كما يقول في نقل الخبر ويكون معبرًا للفتوى بلسانه حَسَبَ ما قاله الفقيه للأعجمي من غير تغيُّرٍ له عن معناه، وكذلك إذا بعث الرجل بسؤاله إلى الفقيه، فأجابه بالخط أي: بعَثَ بسؤاله في رُقْعَة إلى الفقيه، فأجابه بخطّ، فيجب أن يكون الرسول ثقة؛ لأن هذه من الأمور التي جرت العادة بها في كل عصر وزمن وإلى الناس ضرورة إليها واللَّه أعلم.
قال القاضِي: قَد بَيَّنَّا قول مالك -رحمه اللَّه- في بُطْلانِ التَّقْلِيد، ووجوب الرجوع إلى الأصول ومعانيها، فمن الأصول السمعية عند مَالِكٍ الكتاب والسنة والإجماع واستدلالات منها والقياس عليها فصل في الكتاب. . . وكتاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ هو الذي كان وصفه اللَّه -تَعَالَى- فقال: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)} [فصلت: الآيتان 41، 42].
وقال تعالى: {لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: الآية 2].
وقال تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: الآية 38].
فلم يفرط فيه في شيء من أمر الدين، بل جعله تبيانًا لكل شيء وشفاء وهدى.
وقال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)} [القيامة: الآيتان 18، 19].